أحد أهم مواريث الكنيسة حول العالم، هو ارتباط تاريخ ميلاد السيد المسيح بفصل الشتاء، وسط أجواء الصقيع والثلج الكثيف، تحول هذا الربط الزمني إلى يقين مطلق، محاطا بهالة من القداسة، تصل إلى مصاف قداسة المسيح نفسه، وقد استقرت كنائس العالم على تاريخ 25 ديسمبر كتاريخ مسلم به، لميلاد يسوع، بينما تتمسك الكنيسة المصرية منفرده بتاريخ 7 يناير، رافضة كافة مبادرات كنيسة الفاتيكان، بتوحيد تاريخ الاحتفال بميلاد المسيح، معتبره أن تاريخ ميلاد المسيح مقدسا وأحد ركائز العقيدة.
وفي واقع الأمر إن تواريخ الاحتفال بميلاد المسيح، بالكنائس كافة حول العالم، لا علاقة لها بالعقيدة أو ثوابت الإيمان المسيحي، من قريب أو بعيد، بل الأكثر من هذا ان هناك كثير من الدلائل العلمية والفلكية والكتابية تشير إلى إن ميلاد المسيح، لم يكن في الشتاء أساسا، وقبل طرح هذه الدلائل أشرح بداية على أي أساس تم اختيار تاريخ ميلاد السيد المسيح.
تحدد تاريخ ميلاد السيد المسيح في عام 325 ميلادية، بمجمع نيقية، الذي شاركت فيه كل كنائس العالم، وهو تاريخ 25 ديسمبر، الموافق 29 كيهك، كتاريخ للاحتفال بميلاد المسيح، وذلك استنادا على أساس رمزي، بإختيار اكثر أيام السنة الذي يضم أطول ليل واقصر نهار بين أيام السنة، رمزا إلى المسيح الذي جاء نورا وسط الظلام، وهكذا ظل تاريخ الإحتفال بميلاد المسيح، موحدا لكل كنائس العالم ولمدة 1200 عاما.
من الطريقة التي حدد بها كبار رجال الكنيسة حول العالم في نيقية تاريخ ميلاد السيد المسيح، نعرف حجم الجهل، والاختراعات البشرية التي كانت تدار بها الكنيسة على مدار عقود بل وقرون، فلا يوجد أي دوافع لاهوتية أو عقيدية لتحديد موعد ميلاد يسوع المسيح، مجرد رمز قائم على افتراض بشري، تحول بمرور الوقت وبدوافع تسلط رجال الدين إلى أحد أهم ثوابت المسيحية محاطا بحالة من القداسة تعادل قداسة الإيمان بالمسيح نفسه.
الذي حدد رمزية أطول ليل واقصر نهار لم يكن يعلم أن مدة الليل والنهار في اليوم الواحد تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى حول العالم، فدول مثل الاسكندناف قد تعيش عدة أيام متواصلة في ليل دامس، وأيام أخرى في نهار متواصل، ودول المناطق الاستوائية التي يتساوى فيها الليل والنهار طوال العام، وظواهر الكسوف والخسوف التي قد تحجب النهار يوما كاملا أو جزئيا فهو إقرار لقاعدة لا معني لها، ولا سند علمي.
في الواقع أن تاريخ 25 ديسمبر، هو عيد العبادات الشمسية الوثنية في أوربا وكان يحظى بتقدير الشعوب الغربية، وشجرة عيد الميلاد وهي عبادة وثنية انتشرت في ألمانيا، وانتقلت إلى المسيحية، وكذلك رجل الثلج، حتى شخصية سانتا كلوز لم تظهر بهذا الشكل إلا عام 1823 على يد الشاعر الأمريكي، كليمنت كلارك مور، برغم أنها تجسيد حقيقي للقديس نيكولاس أسقف ميرا الذي عاش بالقرن الخامس الميلادي، فالريادة الغربية في مطلع التاريخ الحديث هو من فرض الشكل الحالي لاحتفال الميلاد الذي لم يكن موجود قبل القرن السابع عشر، وفي مصر انتشرت مراسم الكريسماس، مع دخول الاستعمار البريطاني لمصر.
وهنا أطرح عدة دلائل، تشير ولو بقليل من الشك أن ميلاد يسوع لم يحدث في الشتاء على الإطلاق بل كان صيفا وعلى الأرجح في شهر يوليو.
الدليل الأول:-
يذكر الانجيل بحسب البشير لوقا واقعة ظهور الملائكة للرعاة التي قيل فيها الترنيمة الشهير "المجدلله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة"
ذكر الإنجيل أن رعاة الغنم كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، ومن المعروف أنه لا يوجد رعاية للغنم ليلا إلا في بعض فترات الصيف شديدة الحرارة، ومنطقة الشرق الأوسط تواجة طقسا شديد الحرارة في يوليو، ويصعب في فصل الشتاء تواجد الرعاة ليلا مع طقس قارص البرودة، كما من المستحيل أن يكون هناك رعاية للغنم ليلا في البرد القارص، وإلا تعرضوا للنفوق، كذلك السهر لدى الشرقيين غير معتاد في الشتاء.
الدليل الثاني:-
واقعة ظهور النجم للمجوس بحسب ما ورد بالإنجيل أيضا، تؤكد ميلاد المسيح في شهر يوليو، وهذا النجم معروف لدى علماء الفلك باسم النجم القاهر ويظهر على فترات زمنية متباعدة، للدلالة على ميلاد أحد الملوك، هذا النجم عادة ما يظهر في الفترة من يونيو إلى أغسطس، وبالتحديد يظهر هذا النجم في الفترة من 20 يوليو إلى 22 أغسطس، في دائرة برج الأسد، وفي جميع الأحوال النجم من الصعب أن يلمع في سماء الشتاء الممتلئة بالسحب، بخلاف أن المجوس لا يقوموا برحلاتهم الفلكية الاستكشافية، إلا في فصل الصيف حيث تصفوا السماء من السحب الكثيفة المعتاد ظهورها شمال بلاد فارس حيث كان يعيش المجوس.
الدليل الثالث:-
في وقت ميلاد يسوع دعى الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر إلى تعداد الإمبراطورية، وهو ما دفع العائلة المقدسة للسفر من الناصرة إلى بيت لحم، وولادة العذراء في حظيرة الغنم، تشير الوثائق الرومانية، إلى أن هذا القرار صدر في يوليو واستمر لفترة شهر، وبالمناسبة سمي شهر انتهاء التعداد باسم أغسطس نسبة إلى الإمبراطور، وكان هذا القرار من المستحيل أن يحدث في فصل الشتاء في منطقة الشرق الأوسط التي يكون شتائها شديد البرودة، ما يعرقل حركة الانتقالات بين القرى والمدن اليهودية.
الدليل الرابع:-
زكريا الكاهن والد يوحنا المعمدان بشر بميلاد ابنه، عند اختياره للدخول إلى الهيكل، وهذا غالبا يحدث في عيد الفصح، تقريبا بشهر مارس، ومن المعروف أن السيدة مريم العذراء حبلت بالمسيح بعد 6 أشهر من بشارة زكريا، أي تقريبا بشهر أكتوبر وهذا يوافق عيد الغفران، حيث دخلت مريم إلى الهيكل وحدثت لها البشارة، وهذا يتوافق مع ما جاء بقصة الميلاد، الواردة بالإنجيل، نضيف 9 أشهر فترة الحمل، فنستنتج أن المسيح ولد في يوليو.
الدليل الخامس:-
عندما توجهت العائلة المقدسة إلى بيت لحم، لم تجد موضعا لتسكن فيه، سوى مكان حظيرة الغنم، الذي سمح لهم صاحب الفندق بالمكوث فيه، وولدت السيدة العذراء الطفل يسوع، ومن المعروف أن بيت لحم طقسها شديد البروده شتاء إلى حد نزول الثلج والسقيع، وهو الأمر يحول دون إمكانية قبول، السماح بتواجد العائلة المقدسة، في هذا المكان.
هذه الأطروحة الجديدة ليس من الجائز التعامل معها، معاملة اليقين بل أنها لا تزال طور البحث، وسواء ولد المسيح صيفا أو شتاء، فالأكيد أن ميلاد المسيح، قد كان من أجل الخلاص والسلام والحب.