ما بين تصريحات متفائلة من قادة إيران بقرب انتهاء الاحتجاجات من جانب، وبين تقارير أخرى تشير إلى تنامى حجم تلك الاحتجاجات يوماً بعد الآخر حتى شملت مدن «كرج، همدان، نوشهر، نوراباد... وغيرها» على الجانب الآخر.. أين هى الحقيقة هنا؟ وما الذى يحدث فى إيران الآن؟
فبعد 40 عاماً تحت حكم الجمهورية الإسلامية، يبدو أنه قد فاض الكيل كما يقال، وقد كانت البداية بتجمع مئات الأشخاص دون قائد فى مدينة «مشهد» -التى تعد من الأماكن المقدسة لأكثر من 250 مليون مسلم شيعى حول العالم- فى يوم 28 ديسمبر الماضى للتظاهر ضد الفساد وتقييد الحريات والمعاناة التى باتت تتكبدها شريحة عريضة من الشعب بسبب العديد من السياسات الاقتصادية والخارجية التى تتبعها إيران، ثم تطورت الأمور سريعاً إلى عدم الرضا عن النظام ككل متمثلاً فى روحانى وخامنئى، وقد هتفوا فى البداية (ولا غزة ولا لبنان، حياتى لإيران)، حيث يرى الكثيرون أن الإيرانيين أولى بالمساعدات التى تقدمها بلادهم مثلاً لحزب الله فى لبنان (الذى تبلغ ميزانيته أكثر من مليار دولار تدفعها إيران بالكامل)، ولنظام الأسد فى سوريا (حيث الإنفاق على قوات الحرس الثورى تحت قيادة الجنرال سليمانى)، وللحوثيين باليمن (من حيث إمدادهم بالصواريخ إيرانية الصنع «سكود» التى تضرب الرياض)، إضافة إلى ما تدفعه فى العراق... وقد تطور الأمر وحدث اعتقال للمئات حتى تلك اللحظة، وأيضا تزايدت أعداد المتظاهرين الذين هتفوا الجمعة الماضية رافعين شعارات: «الموت لخامنئى» و«الموت للديكتاتور» و«اخجل يا خامنئى واترك السلطة»...وغيرها، وذلك للتنديد بسقوط أكثر من 50 قتيلاً بينما يقول النظام إنهم 22 فقط!
ولعلنا نتساءل جميعاً: هل هى ثورة أم أنها «صوت ثورة» بحسب تعبير الفنان الإيرانى «محسن مخملباف»؟ وهل سيستجيب نظام الحكم فى إيران لمطالب الجماهير ويضع الأولوية فى الإنفاق مثلاً لإصلاح الأوضاع الداخلية، خاصة ما يتعلق بالنواحى المعيشية للطبقات الوسطى والأقل من الشعب (حيث بلغت نسبة البطالة بين الشباب نحو 30% بحسب صحيفة لوموند)، أم أنه سيستمر فى ترديد نغمة أن كل ما يحدث هو مؤامرة كونية من عمل أعداء الثورة الإيرانية فى الخارج خاصة الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية؟
تعالوا بنا نقترب أكثر من المشهد السياسى بالداخل الإيرانى:
فمن ناحية نجد أن روحانى لا يستطيع تجاهل الدور القوى الذى تلعبه الأفواج التابعة لخامنئى فى الحرس الثورى فى الجزئية الخاصة بإحكام قبضتهم على الدولة، كما أن الحرس الثورى هو المتحكم فى سياسات إيران الخارجية فى المنطقة، وهؤلاء كانوا قد سخروا من قبل من محاولات روحانى التواصل والتقارب مع الدول الغربية وجيران إيران فى المنطقة. ومن ناحية أخرى هناك خامنئى الذى لا يستطيع إرضاء رغبات ملايين الإيرانيين الذين يريدون الرخاء والحرية، فى نفس الوقت الذى يحافظ فيه على دعم متشدديه المؤيدين له الذين استمتعوا بالحكم خلال العقود الأربعة الماضية.
ومن الواضح أن لكل منهم أجندته المختلفة إلا أن تلك المظاهرات وحدتهم ضد المتظاهرين الرافضين حالياً لكل من المحافظين والإصلاحيين بسبب عجزهم عن تحسين أحوال المواطن الإيرانى فقد أصبحت هناك فجوة كبيرة ما بين الدولة والمجتمع..
ولحديثنا بقية.