منذ قرأت خبر نقل مقر البرلمان المصرى من مكانه الحالى وسط العاصمة القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة وأنا أحاول تخيل شكل البرلمان المصرى فى معمار حديث غير ما كان عليه.
المقر الحالى للبرلمان له مواصفاته شديدة الخصوصية، فهو قابع فى مكانه منذ 152 عاماً من عهد الخديو إسماعيل حتى الآن شاهداً محايداً على تاريخ الوطنية المصرية.
تحت قبة هذا المبنى البالغ ارتفاعها نحو 30 متراً شهدت قاعاته مواقف تاريخية حقيقية تدلل على تاريخ المصريين مع الديمقراطية واحترام القانون والدستور.
فى هذا المكان وفى مواجهة الاحتلال فى ذروته وجبروت الخديو توفيق أسقط النواب محاولة تمديد امتياز شركة قناة السويس 40 عاماً أخرى ولم يؤيدها سوى الحكومة ونائب واحد فقط، وتحت هذه القبة انتزع النواب الحقوق التشريعية وإقرار الضرائب وحق مناقشة المسائل المالية والمشاركة فى إقرارها.
هذا المبنى جزء من تاريخ مصر شهدت قاعاته وجنباته مواجهات صنعت تاريخاً، ومنها حين اعتزمت حكومة صدقى باشا إلغاء الدستور، فصمم النواب على الاجتماع داخل مقر البرلمان واعتصموا على السلالم فحاصرت الشرطة مقر البرلمان وأغلقت أبوابه بالسلاسل التى أقدم ويصا واصف باشا رئيس مجلس النواب على تحطيمها للانضمام لاعتصام زملائه.
هذا المبنى شاهد على عجز النحاس باشا اقتحامه بالشرطة لتوقيف على باشا ماهر الذى قفز من السيارة محتمياً بمقر البرلمان فما كان من زعيم الأمة إلا أن كلف الشرطة احتراماً لكرامة البرلمان -حسب قوله- بمحاصرة المبنى لحين خروج النقراشى والقبض عليه.
من الطرائف التاريخية للمبنى أن جلالة الملك فاروق اضُطر للدخول إلى قاعته الرئيسية متخفياً وجلس بين الناس المتابعين لمشاهدة جلسة مجلس النواب وسماع بيان رئيس الحكومة على باشا ماهر، وهو تصرف أقدم عليه جلالة الملك لأن التقاليد البرلمانية لا تساعده على حضور جلسات البرلمان.
والمواجهات العنيفة بين النواب والحكومات المتعاقبة واحدة من تاريخ هذا المبنى الذى شاهدت قاعاته رفع نواب الأحذية ضد زملائهم، وصفع نائب لوزير الداخلية أثناء إلقائه بياناً، وسب وزير لنائب معترضاً على سياسته قائلا «اسكت يا رجل يا أبوجلابية وذقن».
واحدة من مميزات بقاء البرلمان فى مقره الحالى أنه مزار تاريخى للوفود البرلمانية المقبلة للقاهرة، ومن خلاله تقدم مصر لزوارها جزءاً من تاريخها الوطنى والديمقراطى، وتروى على أسماعهم مواقف وأحداثاً فى أماكن حدوثها فى توقيتات زمنية كانت أغلب دول العالم المسماة بالمتحضرة والديمقراطية لا تعرف البرلمانات ولا مجالس نواب أو شورى قوانين.
إذا كان نقل البرلمان لمقره الجديد حتمياً ولا بديل له، فنحن فى احتياج لتصور متكامل يحيل هذا المبنى إلى متحف يعكس تفاصيل تاريخنا الوطنى وكفاح شعبنا العظيم.