أنا الدكتورة رباب أخصائية نفسية في إحدى الدول العربية.. اتعودنا كل يوم نحكي حكاية عن المغتربين والنهارده معانا حكاية جديدة
"دموع القهر"
- مساء الخير يا دكتورة
- مساء الخير اتفضل.. خير؟
- أنا مش عارف أبدأ منين أنا تعبان ومفيش أي حاجه بتريحني
- طب بالراحة احكي لي بتشتكي من إيه بالظبط؟
- مش عارف أنام
- يعني بتنام قليل ولا متقطع ولا.. مش بتنام خالص
- بنام متقطع كل لما أنام أصحى على كابوس
- ابتدت من إمتى الحكايه دي؟
- من حوالي شهر
- وإنت بقالك قد إيه هنا؟
- حوالي سنة
- سنة أولى غربة هي أصعب سنة وطبيعي يكون فيها قلق
- أيوه أنا عارف.. ماهو أمجد كان بيقول لي كده.. كان بيقول لي عدي أول سنة وهتبقى تمام.. أمجد ده صاحبي وزي أخويا.. هو اللي شجعني آجي هنا وعمل المستحيل عشان يوظفوني في الشركة اللي شغال فيها.. أصله كان شغال هنا من 7 سنين.. فحت في الصخر.. كل إخواته بنات هو اللي جهزهم وجوزهم وكان بيجهز نفسه عشان يتجوز هو كمان
- وطالما صاحبك جدع قوي كده وواقف جنبك كل ده يبقى إيه اللي قلقك! صاحب زي ده في الغربة يبقى كنز
- عندك حق بس للأسف هو مبقاش واقف جنبي.. أو بمعنى أدق مبقاش قادر يقف أبدا
- يعني إيه؟
- من حوالي شهرين الشغل أنهى خدماته بدون وجه حق.. حضرتك عارفة الحملة اللي شغالة دلوقتي لتعين أولاد البلد بدلا من المغتربين.. مش بس كده لكنهم افتعلوا مشكلة كبيرة عشان يحرموه من مكافئة نهاية الخدمة
- وبعدين!
- أنا فاكر اليوم ده كويس.. يوم ما بلغوه بالخبر رجع البيت وكانت حالته سيئة جدا.. أول مرة أشوف دموعه وأحس بالقهر في عنيه.. حاولت أخفف عنه وأفكر معاه في حل.. فضلنا سهرانين لحد الفجر.. وبعدين نام أخيرا.. صحيت الصبح لقيته مش عارف يتكلم ولا يتحرك.. نقلناه المستشفى قالوا جلطة في المخ عملت له شلل نصفي.. تخيلي حضرتك صاحبي اللي كان مالي عليا الدنيا بالطول والعرض مبقاش قادر حتى يبتسم
- وبعدين إيه اللي حصل؟!
- عشنا أيام صعبة جدا.. طبعا الشركة خلصت إجرائاته بسرعة وسفروه مصر على كرسي بعجل (لمعت عيناه بالدموع)
كل لما أغمض عيني أشوفه وهو نايم مش قادر يتحرك.. وأحيانا بشوف نفسي مكانه مش عارف أعمل إيه؟ قد إيه الواحد في لحظة ممكن يخسر كل حاجة
خلصت حكايتنا النهاردة..
انتظروني في حلقة جديدة من عيادة المغتربين.