د. عبدالمنعم سعيد: غياب المرشحين «عجز سياسى».. والإعلام أصبح بديل «الحياة الحزبية»
الدكتور عبدالمنعم سعيد
قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، الكاتب والمحلل السياسى، إن غياب الأحزاب عن مشهد الانتخابات الرئاسية أمر ينبئ بوجود عجز سياسى، فالعملية التنافسية أصبحت بلا منافس، مرجعاً السبب إلى غياب النضج السياسى الكافى الذى ولّد لدينا أحزاباً لا تستطيع الدفع بمرشحين أقوياء.
الكاتب والمحلل السياسى لـ«الوطن»: أهم ما تحتاجه الأحزاب تداول السلطة داخلها ووضع حد للصراعات والانشقاقات
وأضاف «سعيد»، فى حواره مع «الوطن»، أن بعض الأحزاب تستمد أهمية وجودها من أنها تكفل مكانة اجتماعية لصاحبها أو رئيسها، وضمان بقاء اسمه يتردد فى الإعلام. وأوضح أن الإعلام وسيلة قوية ربما تكون تسببت فى إشباع المواطن بالسياسة من زيادة الجرعة المقدمة، إضافة إلى أن الإعلام أصبح يؤمّن وجود بعض السياسيين، فمثلاً جماعة الإخوان «ماتت» فى مصر، لكنهم موجودون من خلال الإعلام الذى يبث من أنقرة والدوحة، مؤكداً أن الإخوان هم السبب الرئيسى فى عطب الحياة السياسية فى مصر.. إلى نص الحوار.
كيف ترى غياب الأحزاب عن مشهد الانتخابات الرئاسية؟
- أرى أن الأمر ينبئ بوجود عجز سياسى لدى الأحزاب والقوى السياسية، نتج عنه عدم القدرة على الدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية، وبالتأكيد أصبح ما ينص عليه الدستور من تنافسية فى الانتخابات أمراً غير موجود، والعملية التنافسية أصبحت بلا منافس، فإن الدستور عندما اختار هذا الطريق كان يريد أن يلغى الفكرة التى ظلت مسيطرة لما يقرب من 50 عاماً، فمنذ دستور 56 وحتى التعديلات الدستورية فى 2005 كان اختيار الرئيس قائماً على طرح الاسم على مجلس الشعب وبعدها إجراء الاستفتاء على الرئيس، وهى فكرة كانت بعيدة كل البعد عن أى شىء ديمقراطى، وحتى فيما بعد 2005 كانت الأحزاب غير موجودة بشكل ملموس، والتنافس الحقيقى كان ما بين مبارك ونظامه من جانب، وجماعة الإخوان من جانب آخر، وظلت أيضاً العملية الانتخابية غير تنافسية بشكل حقيقى، بسبب أن التجربة نفسها كانت جديدة، وأن مبارك ونظامه كان قوياً، ثم قامت الثورة وأصبحنا فى «سنة أولى ديمقراطية تنافسية» ولم يكن هناك نضج سياسى كافٍ.
وما أسباب الغياب الحزبى.. فكل ما ذكرته كان يجب أن يكون سبباً يدفع الأحزاب للتنافس؟
- لقد أصبح لدينا أحزاب لا تستطيع التنافس أو الدفع بمرشحين أقوياء، كما أن قانون الانتخابات نفسه به بعض المشاكل، إضافة إلى فترة الترشح التى تم تحديدها بتسعة أيام منها ثلاثة أيام إجازات وهى أيام الخميس والجمعة والسبت نظراً لإجازة ذكرى ثورة يناير إضافة إلى الإجازة الأسبوعية، فى حين أن الدول الخارجية إذا حددت فترة الترشيح تقول إنها مثلاً تسعة أيام «عمل»، مع الأخذ فى الاعتبار بأن مصر لها ظروفها الخاصة، فى ظل عدم وجود أحزاب قوية لا يمكن أن تستطيع أن تجمع 25 ألف توكيل بسهولة، فإن القانون فى مصر يفصل على المقاس.
غياب النضج السياسى ولّد أحزاباً لا تستطيع الدفع بمرشحين أقوياء.. ولم أسمع عن «مصر العروبة» إلا عندما أعلن دعمه ترشح «عنان».. وبعض الأحزاب لا يفعل سوى منح المكانة الاجتماعية لرئيسه.. ولا أرى أزمة لدى الشعب فى غياب دورها
لكن هناك أحزاباً عبارة عن مقرات فقط وليس الأمر متعلقاً فقط بالقانون أو الضعف فى الأداء؟
- هذا صحيح.. فإننى لم أسمع عن حزب مصر العروبة سوى عندما أعلن هذا الحزب دعمه لترشح الفريق سامى عنان، وهو ما يؤكد أننا لدينا أحزاب مجرد اسم، ولا يوجد لها أى تمثيل برلمانى، ولا تجتمع هيئاتها التنفيذية، وينحصر دور هذه الأحزاب وأهمية وجودها فى أنه يكفل مكانة اجتماعية لصاحبه أو رئيسه، التى تمكنهم من حضور الاجتماعات الرسمية أو مؤتمرات الدولة، أو يكون دورها تولى شخصية معروفة لضمان بقاء اسمه يتردد، إضافة إلى أن الأحزاب نفسها لم يعد لديها العزيمة أو الطموح فى أن يكون لديها مرشح ولا حتى الرغبة فى ذلك، فإننى أرى أن هناك خللاً كبيراً يحتاج إلى أن يكون محل بحث ودراسة من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب نفسها.
ألا يوجد أسباب أخرى لضعف الأحزاب؟
- هناك أسباب كثيرة منها ضعف تمويل الأحزاب، فإن أى حزب يحتاج إلى تمويل ومقر وكذلك وسيلة إعلامية تنقل أفكاره وتجعله موجوداً بشكل جيد، كما تحتاج الأحزاب إلى برامج واضحة تميزها عن غيرها، وأعتقد أن أهم ما تحتاجه الأحزاب هو تداول السلطة داخلها وأن تختفى الصراعات والانشقاقات الداخلية، لأن الأمر ينتهى بأن الجميع متناحر، وبعدها تشيخ الأحزاب، وهنا تتفجر قضية الخلافة السياسية والديمقراطية داخل الأحزاب وبعد فترة يترك رئيس الحزب مكانه لغيره وهكذا.
ولماذا لم تستعد الأحزاب لهذا الموقع، خاصة أن القاعدة الأساسية لتأسيس الأحزاب هى «السعى للسلطة».. فهل الأحزاب اكتفت بانتخابات المحليات والبرلمان؟
- أرى أن الزمن والتاريخ هو من يحكم عليها، وقد يرى الشعب أنه ليس فى حاجة للأحزاب من الأساس، فإننى لا أرى أزمة لدى الشعب فى غياب الدور الحزبى، وهذا ما قد يفتح الباب لأشكال وصيغ سياسية أخرى، قد تكون كيانات فيها الأمر قائم على الائتلاف أو الاندماج فيما بينهم، وهو أمر أقرب إلى ما هو عليه ائتلاف «فى حب مصر» الذى نتج عنه «ائتلاف دعم مصر» تحت قبة البرلمان، والذى فضل أن يكون ائتلافاً عن أن يكون حزباً، وبدأ عمله تحت قبة البرلمان بما يقرب من 350 نائباً ثم أخذ فى التناقص إلى أن وصل إلى ما يقرب من 300 نائب، ويحكمه نوع من العلاقة السياسية وله مصالح معينة مرتبطة بالدولة، وهو بمثابة إعادة لتجربة الحزب الوطنى وإن كان ما يميز الائتلاف هو عدم وجود الالتزام الحزبى الذى كان موجوداً فى الحزب الوطنى، بمعنى أن الاتفاق والاختلاف على القضايا بين النواب موجود، وليس كما كان الأمر فى الحزب الوطنى.
وهل ترى أن هذا المسار أو الشكل السياسى يعتبر أفضل من وجود الأحزاب؟
- هو مسار به حالة سيولة، ولكن قد تعود الحياة الحزبية للحياة مرة أخرى.
وكيف تعود الأحزاب؟
- من خلال القوانين المنظمة التى تعتبر إعادة صياغتها مرة أخرى مهمة جداً، كذلك الإعلام مهم، وأنا هنا أضع فرضية أخرى وهى أن الإعلام نفسه أصبح بديلاً عن السياسة والحياة الحزبية، فإن جماعة الإخوان، مثلاً، ماتت وانتهت فى مصر، ولكنهم ما زالوا موجودين من خلال الإعلام، الذى يبث من أنقرة والدوحة، فإنهم موجودون بشكل أو بآخر.
هناك مشاكل فى قانون الانتخابات.. وملف حقوق الإنسان فى عهد الرئيس السيسى أفضل مما مضى
لكن ألا ترى أن مصر تحتاج إلى حياة حزبية قوية أفضل من الوضع الحالى وإلى العقلاء فى السياسة؟
- نعم.. فإن الحقيقة ليست سوداء أو بيضاء، فإذا كان هناك إيجابية يجب ذكرها وكذلك السلبية، فهناك أمور بها تحسن كبير فى عصر الرئيس السيسى، فإن ملف الوحدة الوطنية، لم يتم اختراقه بهذا الشكل من قبل، فهناك اختراق وتقارب كبير من الدولة المصرية لهذا الملف الذى تحسن كثيراً، كذلك ملف حقوق الإنسان أرى أنه أصبح أفضل مما مضى، فعلى الرغم من أن الرئيس السادات ومبارك، كانا متحررين ولكن كان هناك ملفات لم يتم اختراقها منهما وكانا يخشيان اختراقها، أما الآن فإن لدينا ست وزيرات مثلاً فى الحكومة وهو ما لم يحدث من قبل، ولأول مرة يتم الحديث عن خطاب دينى متجدد، وأرى أن كل هذا ربما يعيد فرز الساحة السياسية مرة أخرى وينتج عنه يسار ويمين ووسط مثلما كان الوضع فى السابق، فيجب علينا أن ننضج بعض الشىء ويتم إعلاء صوت العقل.
لكن ينص الدستور والقانون على أن يكون وضع الأحزاب على غير ما هى عليه الآن.. فما سبب عدم تطبيق الأحزاب لهذه النصوص؟
- السبب يعود إلى القيادات الموجودة على قمة هذه الأحزاب، وأذكر مقولة للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل متحدثاً عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك وقت إصدار قانون 96 لسنة 96 المنظم للصحافة، عندما قال «مصر يحكمها قيادات شاخت على مقاعدها» وأنا أقولها للأحزاب الآن، فهناك قيادات حزبية لها مدة طويلة تجلس على مقعد رئاسة الحزب، وهو ما جعل دور الأحزاب يختفى تماماً، وهنا أنا أطالب بضرورة تأمين حق تداول السلطة داخل الأحزاب، كما أطالب بتأمين الأحزاب داخلياً من تكرار ما حدث فى حزب المصريين الأحرار، من انقلاب أمين عام الحزب على مؤسسه.
«الإخوان» سبب عطب الحياة السياسية.. والأحزاب تحكمها قيادات شاخت فى مقاعدها
عقب 25 يناير كان هناك شباب واعد وأحزاب تتشكل ثم اختفى الشباب.. والأحزاب أصبحت لافتات.. لماذا؟
- أرى أن الإخوان هم السبب الرئيسى فى عطب الحياة السياسية فى مصر، فإن نظرتهم للوطن أنه لا شىء، فإنهم ينظرون إلى الخلافة وترؤس العالم، وحتى من قبل 25 يناير كان نظام مبارك يقف دائماً موقف المدافع بسبب الأسلوب الذى اتبعه الإخوان، فإنهم كانوا يقيّمون المسائل بالحلال والحرام، وأصبح كل رأى لهم هو فتوى وليس فكراً يؤخذ منه ويرد عليه، وهو ما جعل الأحزاب تتوارى وجعل الشعب يشعر بالخوف ويركن إلى القوات المسلحة ليشعر بالأمان، وكانت النتيجة أن الشعب رفض أن تنفرد «الإخوان» بالسلطة عندما شعر أن الوطن يضيع، على الرغم من أنه أعطاهم الفرصة، فنزل فى 30 يونيو، ومن أنقذ الوطن كان الجيش، أما القوى الشبابية فإنها جاءت غير جاهزة، وانتهت وكأنها ظاهرة «فيس بوكيّة» وكانت على استعداد لتسليم البلد كلها.
وهل يمكن أن تكون الأحزاب جاهزة لانتخابات الرئاسة فى 2022؟
- إذا لم نبدأ فوراً فى حوار وطنى عن وضعنا الحالى وأسبابه، سنكون فى نفس المشكلة، وإلا لن يكون هناك بديل عن تعديل الدستور وبقاء الرئيس فى الحكم، وأرى أن هذا سوف يضيع ما وصلنا له بعد سبع سنوات من الثورة، ويعود بنا الوضع إلى الارتباك وهو ما قد يدخلنا النفق مرة أخرى، ولذلك أرفض تعديل الدستور، والرئيس السيسى نفسه أعلن أنه لن يقبل بهذا الوضع وأنه لن يعدل الدستور.