العاملون فى «التدوير»: معظم المصريين لا يعرفون قيمة النفايات ومخاطرها
عمال داخل مصنع إيكو لتدوير المخلفات الإلكترونية
فى إحدى المناطق الصناعية بمحافظة القاهرة، يقع مصنع «إكو» لإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، محاط بسور يصل ارتفاعه إلى متر ونصف، وبداخله مبنيان، الأول مخصص للإدارة، والآخر مخصص لأعمال التدوير، وضعت بينهما ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وأمامهما مساحة كبيرة من الأرض الفارغة فرشت بحصوات «السن الأبيض».
لافتة ضخمة تحمل صورة لشخصية كرتونية اسمها Dr.WEEE، وضعت على يمين مدخل المصنع، وعدد من شاشات الكمبيوتر القديمة رُصت بعناية إلى جوار كميات كبيرة من «الهارد» و«لوحات مفاتيح» الكمبيوتر والطابعات القديمة وبعض الكابلات، وغيرها من المخلفات الإلكترونية، فى قسم يطلق عليه اسم قسم «التسلم والفرز»، وعلى الجانب الآخر وقف المهندس محمود عبدالحافظ، شاب ثلاثينى، يتابع سير العمل داخل المصنع.
تحدث «عبدالحافظ»، خريج كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، عن دوره فى المصنع، قائلاً: «دورى هنا مراقبة سير العمل، خصوصاً لو هناك مشكلة فى أى خط من خطوط الإنتاج الموجودة داخل المصنع، أقوم بحلها فى أسرع وقت ممكن، حتى لا يتعطل أحد».
ويتابع «عبدالحافظ»: «استطعنا، داخل هذا المصنع، أن نصنع خطوط إنتاح خاصة بنا لتسهيل عمليات تدوير المخلفات الإلكترونية، فهذه المعدات إذا تم استيرادها من الخارج قد تكلفنا ملايين الدولارات، لكننا استطعنا أن نتغلب على ذلك بتصنيعها محلياً، هى ليست بحجم المعدات المستوردة ولكنها تقوم بنفس الدور لكن بتكلفة أقل بكثير، واستطعنا أن نصنع ماكينة لاستخلاص النحاس من الأسلاك، تعمل بكفاءة عالية وصديقة للبيئة».
ويشير «عبدالحافظ» إلى أن «منازل المصريين مليئة بالمخلفات الإلكترونية، ولو بحث أحدنا فى منزله سيجد على الأقل 4 أجهزة هواتف محمول تالفة، وعدداً من أجهزة الكمبيوتر القديمة، وغيرها، لكن نحن كمصريين لدينا ثقافة غريبة وهى ثقافة التخزين، فلا نفرط فى الشىء بسهولة، ومن المفترض أن نتخلص من كل هذه الأجهزة بمقابل مادى حتى يستفيد من يعمل فى مجال تدوير المخلفات الإلكترونية، ويستفيد المواطن بالعائد المادى، وتستفيد البيئة عن طريق التخلص الآمن من هذه المخلفات».
«Dr. WEEE» تطبيق جديد على الموبايل لبيع «أجهزة الكمبيوتر والمحمول القديمة».. و«البدوى»: أطلقنا حملات توعية فى المدارس والجامعات
ويضيف: «المصنع إحدى حلقات صناعة تدوير المخلفات الإلكترونية، ودورنا الرئيسى فى هذه الصناعة هو جمع وفرز وتكسير هذه المواد وتجهيزها للدخول فى مراحل التصنيع النهائية، لاستخراج المعادن بكميات كبيرة، دون وجود مواد خطرة بها».
على بعد خطوات، وقف «شعراوى محمد»، شاب ثلاثينى، يرتدى الزى الرسمى للعمل، وفى يديه قفازات بلاستيكية، ممسكاً بمفك يقوم بفك بعض المسامير المربوطة بدقة، على جوانب هارد كمبيوتر قديم، يفكك الهارد ويفصل كل جزء عن الآخر ويضع الأجزاء المتشابهة مع بعضها فى صندوق بلاستيكى يوجد أمامه. يتحدث شعراوى عن عمله داخل مصنع المخلفات الإلكترونية: «أنا باشتغل هنا بقالى فترة طويلة، والشغل هنا سبب فى فتح بيتى، فأنا متزوج ولدى أبناء»، مشيراً إلى أنه يستلم المخلفات الإلكترونية ويفرزها، وبعدها بقوم بعملية التنظيف، وأخيراً عملية التفكيك.
ويطالب «شعراوى» جميع المصريين بالتخلص من مخلفاتهم الإلكترونية عن طريق بيع هذه المخلفات للأشخاص الذين يعملون فى تدوير المخلفات، خاصة أن المصانع التى تعمل فى هذا المجال تعانى من عدم وجود المخلفات الإلكترونية التى يتم تدويرها.
محمود عيد، شاب عشرينى، يسكن فى مدينة 15 مايو، المصنع بالنسبة له هو مصدر دخله الوحيد، ولا تختلف طبيعة عمله عن زميله «شعراوى»، حيث يقوم بعمليات التسلم والفرز والتنظيف والتفكيك، وهو يتمنى أن يصبح هذا المصنع أكبر مما هو عليه، حتى يسهم بشكل كبير فى توفير فرص عمل إضافية للكثير من الشباب فى المنطقة التى يسكن بها، خصوصاً أن هناك الكثير لا يجد مثل هذه الفرص.
محمد البديوى، مدير التسويق بالمصنع، لم يتخط عمره الـ20 عاماً، يرى أن ملف المخلفات الإلكترونية فى مصر ملف مهم وخطير للغاية، خاصة أن التخلص من المخلفات الإلكترونية بطرق غير صحيحة قد يهدد حياة الملايين، بسبب ما ينتج عن ذلك التصرف الخاطئ من مشاكل صحية وأمراض إلى جانب الإضرار البيئية. ويراهن «البديوى» على الشباب، خاصة أنهم الأكثر استخداماً للأجهزة الإلكترونية، لذلك قرر أن يكون فريقه من الشباب، ثم قام هو والفريق بعمل حملة توعية عن مخاصر المخلفات الإلكترونية وأهمية التخلص الآمن منها، وتوجه إلى الجامعات والمدارس.
اعتمد «البديوى» فى خطته التسويقية على تطبيق موبايل Dr. WEEE، الذى طورته شركة «إكو»، وهذا التطبيق البسيط متاح على أجهزة «الأندرويد» و«الآيفون»، حيث يتم تحميله على الموبايل، ويتم تسجيل الدخول بالاسم ورقم الهاتف المحمول والموقع، ويستطيع أى شخص بيع الأجهزة الإلكترونية من خلاله، حيث يتيح التطبيق عدداً كبيراً من الأجهزة الإلكترونية، ولكل جهاز سعر، ويختار البائع الأجهزة الموجودة لديه، ليجد أمامه قيمة هذه الأجهزة بالجنيه، وبعدها يجد مندوب المصنع يتحدث إليه هاتفياً ليخبره بموعد التسليم.
ويتابع «البديوى» أن تطبيق Dr. WEEE، يساعد بشكل كبير فى التخلص من المخلفات الإلكترونية بطريقة آمنة وسليمة، خاصة أن معظم العاملين فى هذا المجال غير مؤهلين، وهم المتجولون فى الشوارع «الروبابيكيا»، وجاء اسم «دكتور وى» لأنه يعتبر هو الطبيب الذى يعالج المرض قبل أن ينتشر عن طريق التخلص من هذه النفايات بطريقة آمنة وصحية.
ويسعى «البديوى» إلى نشر هذا التطبيق بشكل كبير خلال العام الحالى فى المدارس والجامعات وبين الشباب لتشجيعهم على التخلص من المخلفات الإلكترونية بطريقة صحية وسليمة، إلى جانب حصولهم على مقابل مادى قد يكون بسيطاً، ولكنه فى النهاية أفضل من أن يتم إلقاء هذه المخلفات فى الشارع أو صناديق القمامة، خاصة أن لها تأثيراً خطيراً على الجميع.
ويضيف: «عندما قمنا بعمل حملات توعية داخل المدارس وجدنا أن الأطفال هم أكثر الأشخاص حرصاً على البيئة، وأنهم يتعاملون بجدية، ولديهم الرغبة فى التعاون معنا، لأنهم اقتنعوا بفكرة التطبيق، وخلال الأيام الماضية أصبح هناك عدد كبير من الأطفال يتصل بنا ويطلب منا أن نذهب إليهم لشراء بعض المخلفات الإلكترونية الخاصة بهم، وهناك أطفال التقينا بهم فى المدارس نقلوا بالفعل الصورة الصحيحة للتخلص من النفايات الإلكترونية إلى أهلهم فى المنازل».
ويؤكد «البديوى» أن هناك إقبالاً كبيراً من مستخدمى التطبيق فى الأماكن الشعبية، حيث يتلقون العديد من المكالمات من مناطق إمبابة وشبرا الخيمة والوراق، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن «الاستثمار فى المخلفات الإلكترونية طريق صعب وطويل، خصوصاً أن ثقافة الشعب المصرى تعتمد على التخزين فى البلكونة، ورغم ذلك فإننا سنستمر ونتوسع الفترة المقبلة».