مشروع «نيوم» الذى أطلقه ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان آل سعود أشبه بأفلام الخيال العلمى وخلاياه الضوئية أطول من سور الصين.. كلفته تتجاوز 600 مليار دولار، والعمالة فيه من الروبوتات والآليات، تمثل ثلاثة أضعاف العمالة البشرية.. إنه دويلة سياحية ترفيهية للأغنياء فقط، بها شواطئ وجزر مساحتها تفوق 460 كيلومتراً مربعاً تتمدد على الورق فى ثلاث دول (السعودية ومصر والأردن).. والآراء حوله تقدمه كنموذج جديد للحياة البشرية بأبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. ومن حق الاقتصاديين والسياسيين فى عالمنا العربى أن يصابوا بالقلق من المشروع غير المسبوق، الذى يتجاوز كل مشروعات التنمية والتطوير والرفاهية التى شهدناها بدول الخليج ويتفوق عليها جميعاً.
والسؤال المهم هنا: هل تتجاوب قوى وتراث الدولة السعودية مع هذا الحلم؟ «المملكة» فى بنيتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مستقرة، تقاوم التحديث السريع، والمشروع ينقل الاقتصاد بالمملكة من الاقتصاد الريعى (البترول والغاز وخدمة الحجاج) إلى اقتصاد ليبرالى يتطلب تغييرات ثقافية وسلوكية وبنيوية ضخمة.. وهل قرارات الملك سلمان فى ما يسمى بالثورة الثقافية، التى أطاحت بآليات ورموز التعصّب الدينى وأعطت للمرأة حق قيادة السيارة والترشّح والانتخاب مع نشاط «الترفيه» من حفلات ومسرحيات ومهرجانات كافية وتمثل خطوات فى الطريق إلى «نيوم»؟.. وتقاوم القوى التقليدية الإجراءات الجديدة، ومنهم أفراد من العائلة المالكة ووزراء وموظفون كبار وتجار، يقاومون طموحات ولى العهد المدعوم بالشباب السعودى (نحو 72% من السكان) والمتحمّس للتغيير ونسبة كبيرة درسوا فى الجامعات العالمية كمبتعثين عادوا متحمسين للمشاركة فى الفعل داخل بلدهم.
ما زال موقف الأردن الغاضب غامضاً تجاه المشروع!! وإسرائيل تترقّب وتتحيّن الفرص والكل يخطب ودها.. ويبدو مشروع «نيوم» متراوحاً بين الخيال والواقع، وما زال ينتظر حسم أمور كثيرة داخل «المملكة»، ولدى الأطراف خارجها.. ولم يتحدّد بعد مدى ملاءمته لحل مشكلات البطالة والاقتصاد فى الدول الثلاث التى سيقوم فيها.. ندعو الله بالخير.. والله غالب.