«إلى سكان قطاع غزة: أنصحكُم بمواصلة حياتكم العاديّة».. هكذا تحدث وزير الدفاع الإسرائيلى الذى كتب على «تويتر» باللغة العربية للمرة الأولى.. مهدِّداً ومنذِراً.
كان وزير الدفاع يهدِّد ورئيس الأركان يدير.. ومن ورائهما تقف قوى عظمى ووسائل إعلام لا نهاية لها.
لم يتأثر طفل فلسطينى واحد بكل ذلك.. وفاجأنا الشعب الفلسطينى العظيم -كعادته- ببطولة جديدة.. باهِرة وماجِدة.
(1)
خرج الفلسطينيون فى «يوم الأرض»، الذى يوافق الثلاثين من مارس من كل عام.. ثم يمتدّ إلى ذكرى النكبة.. ليواجهوا -بقوة الذاكرة- سطْوة السلاح.
الفلسطينيون شعبٌ مذهلٌ حقاً.. لقد استُشهد منهم فى «أول أيام الأرض» 30 مارس 1976 ستّة شهداء.. فقرَّروا إحياء اليوم من كل عام.. احتجاجاً على سرقة الأرض وقتل أصحابها. وفى 30 مارس 2018 وفى الذكرى الـ42 ليوم الأرض استُشهد فى ساعات (14) فلسطينياً.. أكثر من ضعف شهداء «يوم الأرض الأول»!
إنها ليست «دراسة جدوى».. إنها لا تقوم على أن أكبر التضحيات كانت فى الماضى.. وأن إحياء الذكرى يجب أن يكون من دون تضحيات.. فالناس لا يموتون وهم يتذكرون موتاهم. لكن الأمر هنا.. غير ذلك. لا تخضع حسابات التضحية هنا لمصالح الأفراد أو قواعد السوق.. إنها تخضع لقاعدةٍ أعلى وأعظم: الله والوطن.
(2)
إن مظاهرات الفلسطينيين فى يوم الأرض 2018.. جاءت ضد المنطق وضد التيار.. ضد كل علوم السياسة وعلوم الاقتصاد. ذلك أن القضية فى أسوأ مراحلها.. والروح المعنوية فى أدنى درجاتها.. والتأييد الأمريكى لتل أبيب لم يحدث على هذا النحو منذ نشأة إسرائيل.
وعلى الرغم من قتامة المشهد وسيادة القنوط واليأس.. جاء الفلسطينيون ليبدِّدوا السُّحب السوداء.. ويمزِّقوا جغرافيا الخوف. تجاوز الفلسطينيون الرائعون «المنطق الرياضى».. إلى «المنطق الأخلاقى».. ومعادلات القوة إلى معادلات الأمل.
(3)
إن عودة اللاجئين إلى ديارهم هى جزء لا يتجزأ من الشرعية الدولية، والدعوة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة لا تعد خروجاً على القانون الدولى أو المبادئ الإنسانية.
إن الفلسطينيين يحيون يوم الأرض.. بزراعة أشجار الزيتون.. وإقامة المهرجانات وإحياء المنتجات التراثية والأشغال اليدوية. إنهم يناضلون بسلاح الذاكرة.. يريدون هزيمة عدوهم بالثقافة والحضارة.
إن يوم الأرض.. هو يوم الفوز بالوعى، والانتصار بعدم النسيان.. هو يومٌ قال فيه الفلسطينيون لكل علوم المنطق: شكراً.. حتى هنا كفى.
المجد لمن يملكون الذاكرة.. النصر لمن يملكون الأمل. حفظ الله فلسطين.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.