جولة فى المحافظات.. «الوطن» تجوب البلاد من الشمال إلى الجنوب وترصد أحوال المصريين «حلوها ومرها»
الإسكندرية.. «فى العشق حالة»
من شط إسكندرية شمالاً إلى نيل أسوان جنوباً، ومن فيروز سيناء شرقاً، إلى نخيل سيوة غرباً طافت «الوطن».. رافقت صيادى رشيد وهم يفردون شباكهم على المياه لتعود إليهم محملة بالرزق الوفير.. جالست عمال محاجر المنيا وهم يعملون تحت الشمس اللافحة.. راقبت فلاحى الشرقية وهم يحصدون ذهبهم الأصفر.. شاهدت صبايا الفيوم وهن يتعلمن تشكيل الفخار.. زارت مقام سيدى أحمد البدوى بالغربية، وضريح السيد عبدالرحيم القناوى بقنا، ورصدت طقوس الاحتفال بالشيخ أبوالحسن الشاذلى فى وادى حميثرة، وآداب زيارة السبع بنات بالبهنسا.. استمعت إلى شعراء الربابة فى قلب الصعيد، وعازفى السمسمية على شط القنال، وأرباب الموال فى وسط الدلتا.
أكلت «ملوحة» سوهاج، وسمك بحيرة ناصر، و«جلاب» نجع حمادى، وعسل بنها، ومشبك دمياط، وحمص وحلاوة طنطا، وحبست بـ«واحد شاى» من على مقهى عتيق بالأنفوشى.. دخلت معابد الدير البحرى، والكرنك، وعرابة أبيدوس، وأبوسمبل، وفيلة، وإدفو، ودندرة.. سرحت فى آثار تل العمارنة، وصان الحجر، والفرما، وتل بسطا.. رصدت المبانى التراثية فى شوارع بورسعيد، والإسماعيلية، والمنيا.. صعدت إلى جبل موسى فى سانت كاترين، واستظلت بجبل عتاقة بالسويس، وحامت حول جبل أسيوط الغربى حيث تكثر حكايات المطاريد والخارجين عن القانون.. صلت الظهر فى جامع عمرو بن العاص فى دمياط وترنمت مع رهبان وادى النطرون.. تركت المساحة لكل صاحب رأى وموهبة ورؤية ليعرضها على صفحاتها.. حملة موسعة تطلقها «الوطن» وتستمر على مدى الأسابيع المقبلة، تعرض لكم فيها مصر كما لم تروها من قبل، سافرنا وارتحلنا ثم عدنا لكم بحصاد أيام وليالٍ.. فتابعونا.
الإسكندرية.. «فى العشق حالة».. «مقاهى تاريخية».. ذكريات حيّة لعاشقى البُن والدخان
«يا بحر قول للسمك طول ما الشبك فوقك لا العشق كارَك ولا رمل الشطوط شوقك.. انزل قرار النجا واغطس ولاتقبّش، موج العلالى خطر فى النوة ومغبّش.. دارى على شمعتك وتحب ماتحبش، الصبح نور يا سمك واعشق على ذوقك».. كتبها «الفاجومى» أحمد فؤاد نجم، ليتغنى بها «الشيخ إمام» بصوت عذب على أوتار العود فى مطلع غنوته «يا إسكندرية»، متغزلاً فى تلك «السنيورة أم ملاية لف» بعدما أحكمت لف ملاءتها فلم تفلت عن جسدها الممشوق طيلة قرون طويلة مضت، كانت فيها قبلة العاشقين:
(يا إسكندرية بحرك عجايب .. يا ريت ينوبنى من الحب نايب
تحدفنى موجة على صدر موجة .. والبحر هوجة والصيد ما طايب
أغسل هدومى وأنشر همومى .. على شمسة طالعة وأنا فيها دايب).
يتنسم زائرو «عروس البحر المتوسط» من أنفاسها عبق تاريخ مضىء، كنجمة فوق فنارة يهتدى إليها الحيران فى ليلة غاب عنها القمر، فى نديم مسائها كانت الحكايات، فى حجارة بيوت حاراتها سكنت الذكريات، فى المشى سيراً داخل شوارعها العتيقة، فى الجلوس على رمال شواطئها الناعمة بين أحضان أمواج لا تهدأ، أو على صخور امتدت من أقصى شمال المدينة إلى أقصى جنوبها، لم يُمْحَ منها رائحة الماضى رغم صفعات المياه المتتالية التى لم تنقطع، فى مبانٍ تروح بناظريها إلى أزمنة قديمة، تشهد أعينهم بأن الماضى قد وُلد هنا.
(كأنى فلاح من جيش عرابى.. مات على الطوابى وراح فى بحرك
كأنى نسمة فوق الروابى.. من البحر جاية تغرق فى سحرك
كأنى كلمة من عقل بيرم.. كأنى غنوة من قلب سيد
كأنى جوّه المظاهرة طالب.. هتف باسمك وراح معيّد).
حب «مدينة الرب» كامنٌ فى قلوب عشاقها، يأتونها من كل فج عميق فيلقون أجسادهم المحملة بهموم الدنيا تحت أقدامها، يطلبون منها إكسير غرامٍ يستزيدون به حباً فوق حبهم، ومن بين أهلها، كان «عشق الغلابة» لها أقوى، فحياة كَدّ يعيشونها بين «بحر المحبة» وبر «الناس الطيبين»، يبدأون فيها يومهم باحثين عن رزق «صعب المنال»، ولا يرجون فى نهايته سوى «حضن غرام» منها ينثرون فيه ما بقى من همومهم.
(يا إسكندرية فيكى الغلابة.. على الرزق يسعوا ولا يناموش
صبح صباحهم، رجع مساهم.. وزاد شقاهم ومرتاحوش).
تغيرت الأزمنة، ومرت عقود وقرون طويلة، ولم تتغير نظرة العشاق إلى «الإسكندرية»، التى ظلت على مدار التاريخ مهبطاً لـ«المغرمين صبابة» من جميع الأعراق والجنسيات، الذين تعلقت قلوبهم بالمحافظة الأجمل. وتبقى الإسكندرية كما وصفها «نجم» بأنها «فى العشق حالة». رحلة جديدة تخوضها «الوطن» بين محافظات مصر، تستهل حلقاتها بحكايات وقصص يرويها أهل الإسكندرية، بعضها ذكريات، وبعضها واقع يعيشونه «بحلوه ومره»، أو مستقبل يحلمون به.. إلى التفاصيل.
«جدو» يشرب قهوته كل صباح بمقهى «فاروق» على صوت أم كلثوم: «كل اللى كنت بقعد معاهم هنا ماتوا»
شارع مزدحم بالسيارات والمارة.. يقطعونه طيلة اليوم جيئة وذهاباً، على جانبيه كانت محال وأبنية تعود بالناظر إليها لعقود من الزمن مرت لم يبقَ منها سوى أصوات ارتطام أمواج البحر بالصخور من أمامه فى بداية الشارع، وعلى بُعد أمتار قليلة منه كان على اليسار أسفل واحدة من هذه الأبنية العتيقة بوابة خشبية فُتحت على مصراعيها، على جانبيها كانت النوافذ مفتوحة أيضاً، تطل على شارع اشتهر بهذا الاسم المعلق أعلى الباب.. «قهوة فاروق»، ذلك المكان الذى يعود إنشاؤه إلى عام 1928.
خارج القهوة امتلأت المقاعد الملاصقة للحائط بزوارٍ اختلفت أعمارهم، جلسوا مجموعات وفرادى وقد انشغل كل منهم بما يقوم به، فهؤلاء انهمكوا فى «عشرة طاولة» يلعبونها، وآخر يأخذ من «شيشته» أنفاساً ينثرها فى الهواء من حوله، يتسرب إليهم من الداخل صوت «الست» تناجى محبوبها بصوت حنون قائلة: «يا حبيبى يللا نعيش فى عيون الليل، ونقول للشمس تعالى تعالى، بعد سنة مش قبل سنة، فى ليلة حب حلوة بألف ليلة وليلة»، ليغيب الحاضرون فى عالمها الخاص، بعدما عادت بهم كثيراً، فأصبحوا كأنهم فى عصر هذا الملك الذى أُطلق اسمه على المقهى، وغطت صوره معظم حوائطه، وعلى يسار الداخل كان ركنه الملكى، حيث المكان المفضل للملك فاروق حينما كان يتردد على المقهى، وفق رواية شريف شعبان، الذى يدير «قهوة فاروق» منذ ما يزيد على عشرين عاماً.
لم يختلف المشهد كثيراً داخل المقهى عن خارجه باستثناء وجود عدد أكبر من المقاعد والمناضد تلاحمت بجوار بعضها فى الركن الأيمن من المقهى، وتناثر بعضها الآخر بجوار النوافذ المفتوحة، وعليها اتخذ كل من زبائن المقهى مكانه المعتاد فيها، وبينها لم تهدأ حركة «صبى القهوة»، فهذا يروح بمشروب، وآخر يعود بكوب فارغ، وثالث يتحرك فى خفة مناسبة لما فى يديه من «ولعة» يلبى بها طلبات «شاربى الشيشة».
دقائق قليلة مرت بعد بلوغ الساعة التاسعة صباحاً، قبل أن يدخل هذا المسن من باب المقهى، على رأسه الأشيب وضع طاقيته السوداء، وعلى عينيه كانت نظارته الطبية الكبيرة، متدثراً بملابس شتوية داكنة تاه داخلها جسده الهزيل، يسير ببطء مناسب لعمره، اتجه بخطى ثابتة تعرف طريقها إلى تلك المنضدة المطلة على الشارع فى الركن الأيمن من المقهى، جلس فى هدوء معتاد، وما هى إلا دقائق أخرى حتى أتى إليه «الويتر» بكوب من القهوة دون أن يطلبه، ليأخذه العجوز بابتسامة صافية، قبل أن يدس يده فى جيبه فتخرج بعلبة سجائره التى وضعها أمامه بعد أن أخذ منها واحدة وأشعلها. «جدّو».. هكذا يلقبونه، قليلون هم من يعرفون أن اسمه الحقيقى محمد أبوالفتوح، اعتاد أن يرتاد «قهوة فاروق» منذ أن كان شاباً، وها هو الآن بعد أن ملأت التجاعيد وجهه لم يقطع عادته: «كل اللى كنت بقعد معاهم على القهوة دى ماتوا وبقالى سنين بقعد لوحدى».. يتذكر «محمد» قصة تسمية المقهى بهذا الاسم مثله مثل غيره من مرتاديه القدامى، فهى رواية قديمة بدأت من صاحبة المقهى الأولى، وهى امرأة يونانية قامت ذات يوم بإيقاف موكب الملك فاروق أثناء عبوره من الشارع أمامها، حيث كان يتخذ منه طريقاً إلى قصره برأس التين، ودعته إلى النزول بالمقهى، ليلبى دعوتها، بل ويكررها بصورة شبه مستمرة بعد ذلك، حتى اشتهر المقهى باسمه.
«مجدى» عرف «الوطنية» صدفة وأصبح رمز السبعينات فيها: «بقعد فى القهوة أكتر ما بقعد فى البيت»
راحة «محمد» المنشودة لا يجدها سوى فى هذا المكان الذى يقاربه فى العمر، رغم تغيُّر مرتاديه مع مرور الزمن، على حد قوله: «المعلمين الكبار هما اللى كانوا بيقعدوا على القهوة دى زمان، إنما دلوقتى بقى أى حد يقعد عليها»، فقديماً كان يقضى ساعات طويلة داخل المقهى، يبدأها بعد الظهيرة، عندما ينتهى من يوم عمله: «قبل ما أطلع على المعاش كنت يا دوب أروح البيت بعد الشغل أتغدى وآجى بقى بعدها على هنا آخد الجرعة بتاعتى وبعد كده أروّح تانى»، إلا أن هذا النظام تم تغييره بعد إحالته على المعاش، فهو رغم كبر سنّه لم يرضَ بالمكوث فى البيت، وإنما ذهب للعمل «مراقب جودة» فى واحدة من الشركات الخاصة، فأصبح وقت حضوره للمقهى فى التاسعة من صباح كل يوم، يقضى ساعة جالساً، مستمتعاً بأنغام الموسيقى القديمة، وسيجارته المحببة، ومذاق كوب قهوته المعتاد: شربت القهوة هنا أيام ما كانت بـ«3 تعريفة»، لحد ما بقت دلوقتى بـ«6 جنيه»، ورغم كده «هى ماتتاقلش بالمال، قالها «جدو» قبل أن يغوص فى عالم «الست»، رامياً عينيه إلى الشارع، مردداً بشفتيه جملتها التى جذبت انتباهه: «يا رب تفضل حلاوة سلام أول لُقى فى إيدينا، وفرح أول معاد تنقاد شموع حوالينا، ويفوت علينا الزمان يفرش أمانه علينا».
من شارع «فاروق» إلى شارع «المحكمة»، كانت هناك حكايات أخرى، وذكريات لم تُنسَ مع مرور الزمن، فعلى يمين المتجه نحو البحر، كانت «قهوة الإسعاف»، تعاقبت عليها عقود الزمان الطويلة، واشتهرت بين روداها بكونها «القهوة اللى مات صاحبها على بابها فى ثورة 19»، هذا الباب الوحيد المفتوح على ساحة واسعة تملأها الكراسى والمناضد المتراصة بجوار بعضها، على يسار الداخل كان يجلس مدير المقهى، أحمد حلاوة، صاحب الـ75 عاماً، يتحدث عن ملابس العاملين بالمقهى المميزة، حيث ما زالوا يرتدون ذلك «البالطو» الأبيض، كزىٍّ موحد لجميع العاملين منذ عشرات السنين، رغم أنه لم يكن كذلك فى بادئ الأمر، حسب ما قال: «زمان كان القهوجى بيلبس بدلة سودا وكرافتة، وفى التمانينات بقينا نلبس بالطو أبيض بس، وكل اللى شغالين فى القهوة دلوقتى لسه بيلبسوه».. طبيعة مختلفة لمرتادى المقهى ظهرت مع تعاقب السنين عليها، يتحدث عنها «حلاوة» قائلاً: «زبون زمان كان مثقف، وكنت تلاقى كل الناس اللى قاعدين على القهوة لابسين بدل، لكن دلوقتى مفيش الكلام ده».
فى أقصى اليسار من الجهة المقابلة لمكتب «حلاوة»، كانت مجموعة من كبار السن، تجلس فى دائرة يتسامرون، من بينهم كان السبعينى مصطفى غانم، يرتدى سترة سوداء، وحول رقبته كانت «كوفية» بيضاء تقيه برودة الجو، لم يترك الشيب مكاناً فى رأسه وشاربه السميك إلا وناله، عرف الطريق إلى مقهى الإسعاف منذ أن كان طفلاً صغيراً، عندما كان يصطحبه معه والده، حتى أدمن الحضور إليها قبل بلوغه سن العشرين، بل وكوّن العديد من الصداقات مع أبناء أصدقاء والده، بل أصبح أصدقاء والده أنفسهم أصدقاءه: «كانت بالنسبة لى أجمل أوقاتى اللى باجى أقعد فيها هنا فى القهوة وعمرى ما زهقت منها».
لم يكن بالمقهى على عهد «غانم» الأول «المعسل»، وإنما كان بها «التُّمباك» وهو دخان آخر يدخن بنفس طريقة المعسّل: «ده كان مشروب المعلمين، وأنا اتعلمته منهم، ولما القهوة بطلته بقينا نجيبه معانا وإحنا جايين».
«الإسعاف».. صاحبها مات على بابها فى ثورة 1919.. وعمالها ما زالوا يرتدون البالطو الأبيض.. وزبون: «قضيت فيها أجمل أوقاتى وعمرى ما زهقت منها»
بعد أن أصبح «مصطفى» شاباً اتجه إلى العمل فى فرنسا أثناء فترات الصيف، ليكون المقهى بعد عودته كل مرة أول ما يزوره، ليرى أصدقاءه، الكبار منهم والصغار، لا سيما بعد وفاة والده، فهناك الكثير من العلاقات التى نشأت بينه وبين العديد من مرتادى المقهى جعلته يرتبط به أكثر على مرّ السنين، حتى انقطع عن زيارة مصر بسبب العمل فى فرنسا 10 أعوام كاملة، ليعود بعدها ثانية مقرراً الزواج، وبمجرد جلوسه على «قهوة الإسعاف» مرة أخرى يشعر وكأن روحه قد عادت إليه: «قعدة القهوة دى كانت من أكتر الحاجات اللى بتوحشنى فى الغربة، وكنت كل فترة أتصل على تليفون القهوة هنا، أسلّم على الناس اللى شغالين واحد واحد، وعلى كل اللى موجودين فيها، عشان كده لما باجى هنا مابحبش أقوم».
ظروف السفر من أجل العمل ما زالت قائمة لدى «مصطفى» إلا أنها لم تعد على فترات متباعدة كما كانت قبل ذلك، فبعد زواجه أصبح يقضى شهوراً قليلة فى فرنسا، ثم يأتى إلى مصر بقية العام لإدارة شركة الاستيراد والتصدير الخاصة به، ومن ثم عاد إلى المقهى المحبب إلى قلبه مرة أخرى، وإن كان يغيب عنه هذه الشهور القليلة وقلبه يحترق شوقاً للقاء من بقى من أصدقائه فيه: «ناس كتير من صحابى اللى كنت متعود أقعد معاهم هنا توفاهم الله وده خلانى أتعلق بالمكان أكتر».
وفى شارع المقدم حسن الشيخ، المؤدى إلى ميدان سعد زغلول، كانت واحدة أخرى من «مقاهى التاريخ» بالإسكندرية، حملت اسم «الوطنية» منذ اليوم الأول لإنشائها قبل أعوام طويلة مضت، احتلت الطابق الأرضى من هذه البناية العتيقة القريبة من كورنيش الإسكندرية، لم تتغير مع مرور الزمان عليها، فما زالت تحتفظ بطرازها القديم وكراسيها الخشبية السميكة وطبيعة روادها، وإن كانوا تغيروا بعض الشىء، حسب قول إبراهيم عبدالواحد، مدير المقهى: «القهوة دى طول عمرها بتاعة المثقفين والسياسيين والممثلين، وتُعتبر من أشهر معالم الإسكندرية، وتاريخها يرجع لقبل ثورة 52».
تاريخ «مقهى الوطنية» ارتبط بالعديد من روداها القدامى، لم يبقَ منهم الكثير، وكان بين من بقى «مجدى الدرديرى»، المدير المالى السابق بشركة المقاولين العرب، وصاحب الـ80 عاماً، كانت بداية معرفته بالمقهى بعد أن تخرج فى كليته وقضى فترة جيشه التى حضر فيها حرب أكتوبر، كان دوام عمله يبدأ الثامنة صباحاً وينتهى فى الرابعة عصراً، وأثناء ممارسة هوايته فى المشى فى أحد الأيام بعد انتهائه من العمل قادته قدماه إلى هذا المقهى، ليجد شيئاً يدفعه إلى الجلوس بها بعض الوقت: «من اليوم ده والموضوع بقى عادة عندى وبقيت كل يوم بعد ما أخلص شغل آجى أقعد نفس القعدة».
بدأت حكاية «مجدى» على «قهوة الوطنية» مع بعض المشاريب العادية، شاى أو قهوة أو ينسون، إلى أن لفت نظره مجموعة من رواد المقهى يكبرونه بأعوام قليلة، يجلسون معاً ويلعبون الطاولة: «قربت الكرسى بتاعى منهم وبقيت أتفرج عليهم وأنا مستمتع جداً»، مرة بعد مرة أصبحت تسلية «مجدى» الوحيدة أثناء جلوسه هى مشاهدة هؤلاء اللاعبين المهرة، إلى أن تعلم منهم اللعبة، وأصبح واحداً منهم بعد فترة من المشاهدة، لتكون هذه «الشلة» فيما بعد أعزّ أصدقائه: «لما اتعلمت اللعبة بقيت أغلبهم كلهم وبقيت أحرف واحد فيهم»، لتمر الأعوام على «مجدى» وأصدقاء قهوته، حتى ذهبوا هم وتركوه وحيداً كما بدأ: «منهم اللى مات ومنهم اللى سافر، ودلوقتى بقيت آجى أقعد لوحدى».
شهرة اكتسبها «مجدى» فى المقهى، فأصبح يعرفه كل المترددين عليه الذين يحاولون التقرب منه يوماً بعد آخر، من خلال الجلوس معه تارة، وفتح أى نقاش معه تارة أخرى، فهو بالنسبة لهم رمز السبعينات من القرن الماضى: «بقعد فى القهوة هنا أكتر ما بقعد فى بيتى، مرة قعدت أسبوعين ماجيش، لقيت مدير القهوة بيكلمنى وبيقول لى الناس هنا بتسأل عليك وعايزين رقمك، بعدها بساعة بالظبط كنت على القهوة».
مرتادو المقاهى فى الإسكندرية من مختلف الأعمار يستمتعون بالهواء النقى والصحبة الجميلة