د. محمد زين يكتب: الإعلام بين التيه والتوهان
د. محمد زين
هل نجح الإعلام فى اختباراته السابقة؟ وهل نجحت كليات وأقسام الإعلام بالجامعات فى مهامها؟ وهل نجحت الهيئات التى أنشأتها الدولة فى ضبط مسيرة الإعلام؟
الإجابة، للأسف، «لا»؛ فخط سير الإعلام خلال السنوات التى أعقبت «25 يناير» يدل على أنه إعلام تائه دخل منطقة الرمال الناعمة بسوء نية، فضَلَّ وأضل، وتحولت أجهزة الإعلام بين عشية وضحاها إلى سبوبة وتكونت خلف الوسائل الإلكترونية الحديثة مافيا للهدم والابتزاز والشائعات والتضليل وما أكثرهم. ندرك جميعاً أن الإعلام أصبح سلعة صناعية، ولكن منذ متى كنا نتاجر بالوهم والخبث والخبائث من أجل المال، كان الفسدة قلة فأصبحوا كثرة، باعوا التاريخ والتراث والثقافة والريادة على موائد اللئام، فأفسدوا ما تبقى من عقول لدى الناس، وطالت الخبائث كل شىء، أدخلوا علينا بدعوى الواقعية وغيرها من المسميات البراقة ألفاظاً وقيماً وسلوكيات ومشاهد أتلفت من تكرار عرضها العقول والنفوس، غرسوا فى عقول الشباب أن هذه هى مصر لهدم الانتماء والوطنية ومصر منهم براء، تراجعنا بعد أن كنا الرواد وأصبحنا نلهث لتقليد الذين كنا لهم قدوة ومعلمين، تراجعت ثقافتنا وانزوى العلماء والأدباء والمفكرون، وتم إفساح المجال للهزل والهلس والخسة والانحطاط الثقافى والفكرى واللفظى والسلوكى من أجل حفنة أموال تدخل إلى جيوب وحسابات البعض.
ومن هنا ندلف إلى الجزئية الثانية من السؤال الرئيسى، لماذا فشلت كليات وأقسام الإعلام بالجامعات رغم كثرتها، ورغم أنه قد توافر لبعضها من الأجهزة والمعدات ما قد لا يتوافر لكبريات الصحف والقنوات، ولعل فساد المنظومة كلها أفسد الجزء، فكيف ينتج الفاسد صالحاً؟ ولعل اليأس من الحصول على فرصة عمل بمنافسة حقيقية شريفة قد أصاب البعض نتيجة شيوع الفساد والمحسوبية مما أفسح المجال فى تلك الوسائل لغير المؤهلين الذين يعتمدون على صلة القرابة والمحسوبية، فانزوت المواهب المؤهلة وتصدرت الشاشات وجوه تنطق بالجهل والضحالة وعدم المهنية.
ومن هنا تأتى الإجابة الثالثة: ومن هنا كان فشل هيئات الإعلام فى السيطرة على هذا الانفلات، فلا هى تستطيع المنع ولا هى تملك المنح، عيادات وروشتات صحفية وإعلامية تصدر من هنا وهناك ولا أصل لها، هل يمكن عقاب من ينتحل صفة صحفى أو إعلامى؟ هل أخذت تلك الهيئات موقفاً حازماً تجاه من ينتحل صفة مهنية غير مؤهل ومرخص لها؟ هل واجهت مافيا استخدام الوسائل الإعلامية فى الهدم والتضليل وابتزاز الناس ونشر الشائعات والتضليل وتسميم الأجواء؟ أم أنهم يضيعوننا بالبحث عن لافتة ويافطة وكرسى وموقع تاركين الناس والإعلام فى تيه وتوهان عظيم؟!!