ثلثا دول العالم فاسدون.. وستة دول من أصل أفسد عشرة فاسدون حكوماتها إسلامية، وخمس منها عربية، من بين هؤلاء الخمسة منهم من هو فاسد ومن هو فاسد جدا، هذا ليس حكمي ولا هذه كلماتي، إنه التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية للعام الماضي.
إن الفساد في بلادنا وبلاد أخرى أصبح كالسرطان تأتى خلاياه الخبيثة لتقضى على خلاياه الحميدة، حتى ينهدم الجسد، الأمر لا يتوقف على فساد مسؤولين يستغلون النفوذ أو نخبة تقتات على الرشوة والمحسوبية، بل أصبحت خلايا الفساد السرطانية ثقافة عامة.
هنا يحضرني هذا الصراع على الموافقة على عرض فيلم الرجل الثاني للراحل العملاق رشدي أباظة، الذى ظل طوال مشاهد الفيلم يتحدث عن "طنط كيما" وإلى نهاية الرواية لم يتعرف أحد على هذه الطنط الخفية، وكأنها الملاك الحارس لكل أفعال هذه الإبليس في الرواية أو أفندينا "عصمت كاظم".
في الماضي كانت الدراما تنهل من الواقع، الآن يحدث العكس، الشارع ينقل ما تقدمه الشاشات، حيث قالت رئيس الرقابة المصرية اعتدال ممتاز التى تم أحالتها إلى المحكمة التأديبية بسبب فيلم "المذنبون" في منتصف السبعينات: عندما قدم المخرج والمنتج عز الدين ذوالفقار سيناريو وحوار فيلم "الرجل الثاني" وافقت علية الرقابة، لم يكن فيه وصلة الردح الذى تمت ببين سامية جمال وصباح ولا أيضا كلمة "وحياة طنط كيما اللي عمرى ما احلف بيها كدب"، ولكن في العرض النهائي للفيلم على الرقابة رفضت إجازة الفيلم إلا بعد حذف هذه الوصلة ومعرفة ماذا تعنى كلمة "طنط كيما"، هنا اعترض عزالدين ذوالفقار ورفض رفضا شديد وصممت الرقابة وعرض الفيلم.
وصلة الردح التي كانت الرقابة تريد حذفها من الفيلم جاءت كما يلى
سمرا تقول إلى لمياء أو لميا كما كانوا ينادونها في الرواية: السواح أغلبهم أمريكان بيموتوا في اللون الخمري، أما الشقرا اللي زيك ما لهاش تأثير غير على الهنود بس.
لمياء ترد: يا حبيبتي ما فيش حد يفضل البلح الأمهات اللي وقته بقرشين عن التفاح الأمريكاني اللي وقته باتنين جنيه.
سمرا ترد: التفاح الأمريكاني في أمريكا مرطرط بيأكلوه للبهايم.
لميا ترد: ده لما يغمق ويعطب.
ليه كل ها الضجة؟! هنا يتدخل أكرم ويقول: أبو سمرة زعلان، لميا مزعلة أجمل عضو في عصابة خيّ عصمت، مزعلة قنية البراندي اللي بتكفي الواحد يبصلها من بعيد حتى يسكر.
عصمت كاظم يرد: ده سوء تفاهم بسيط بين تأثير السمرا والشقرا على مخاليق الله.
أكرم: أنا ما سمعت مقارنة أنا سمعت ردح.
هذا هو المقطع الذى اعترضت علية الرقابة في ذلك الوقت، وقالت في تقريرها حسب ما هو منشور في مذكرات اعتدال ممتاز "إنها لن تسمح إلى الشتائم والسباب التي تتداول في الأفلام أن تسمعها العائلات المصرية"، وعندما قال لها عز الدين ذوالفقار إنها حرية "إبداع".. ردت علية أن مثل هذه الأفلام ليست حرية إبداع ولكنها محاولة لقلة الأدب، ومحاولة لإفساد الأخلاق في المجتمع،أما كلمة "وحياة طنط كيما اللي عمرى ما احلف بيها كدب" فأرادت الرقابة أن تعرف هل الكلمة لها معنى جنسي أم لا، في النهاية بعد شد وجذب وافقت الرقابة على التصريح بالعرض بصالات السينما في مصر.
الخلاصة أن أعتى الدساتير والقوانين لم تستطع أن تحارب خلايا الفساد الخبيثة التي تنخر في جدار المجتمع وحدها، وأصبح واجبا علينا جميعا أن تنقل عنا الشاشات الفضية والصغيرة وحتى نوافذ السوشيال ميديا واقعنا الجميل، لا أن تنقل لنا الآلاف من "طنط كيما" في الألفية الثالثة، فطنط كيما يا سادة هي أُس الفساد وهي من تقف وراء كل صاحب نفوذ وبين دفاتر كل مخرب في عقول المصريين.
"درما رمضان من وراء القصد".