فى المرحلة الابتدائية كنا ندرس تاريخ زعماء الأمة.. صفحات بسيطة فى كتب بريئة تزرع فى الوجدان معانى نبيلة، كان من بين الدروس حصة الزعيم مصطفى كامل، وعرفنا نضاله فى مذبحة دنشواى ووقوفه فى وجه المحتل الإنجليزى القاتل.. لكن الحكاية كان فيها تفاصيل أخرى خارج المنهج وجزء من التاريخ وتكمل الصورة.
مثلما كان هناك مصطفى كامل كان هناك أيضاً إبراهيم الهلباوى المحامى وأول نقيب للمحامين، خلق إبراهيم الهلباوى لنفسه المبرر لكى يترافع باسم المحتل والقتلة فى وجه أبناء وطنه وقضيتهم العادلة.. يبدو أنه كان أكبر محام فى البلاد آنذاك أو بالفعل كان كذلك.
وبحسب ما دون من مرافعته قال الهلباوى «إن الاحتلال البريطانى لمصر حرر المواطن المصرى وجعله يترقى ويعرف مبادئ حقوقه المدنية والسياسية، وإن هؤلاء الضباط الإنجليز كانوا يصطادون الحمام فى دنشواى ليس طمعاً فى لحم أو دجاج، ولو فعل الجيش الإنجليزى ذلك لكنت خجلاً من أن أقف أدافع عنهم».
ووصف الهلباوى الفلاحين فى ادعائه قائلاً: «هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالى دنشواى قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصى والنبابيت وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز 25 عاماً ونحن معهم بكل إخلاص واستقامة».
عار ما بعده عار ظل يلاحق الرجل حتى يومنا هذا كلما جاءت سيرته ولم تشفع له محاولاته الانخراط فى العمل الوطنى فيما بعد للتكفير عن فعله المشين، وإن لقب بأشهر محام مصرى فى القرن العشرين وأول نقيب للمحامين.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع الأسماء القانونية المهيبة التى قبلت الدفاع عن الإخوان مؤخراً.. صحيح أن هناك مبدأ قانونياً أصيلاً فى المحاماة يعد صلب المهنة وهو حق الدفاع عن المتهم.. ولكن السؤال الذى يفرض نفسه عندما تتعارض مبادىء المهنة مع قضية وطن لمن تكون الغلبة؟ قد يراه أهل مهنة المحاماة سؤالاً ساذجاً أو رومانسياً، ولكن وقوفك للدفاع عن الإخوان يلخص دفعك بأن قضيتهم عادلة حتى وإن كنت تبرر لنفسك الفعل بأنك تستخدم القانون وأن مربط الفرس النصوص القانونية التى تستوعبها وتتفوق عليها بخبرتك وأستاذيتك.
الإخوان.. القتلة.. أعداء مصر الشعب والدولة، أصل البلاء ومنبت الإرهاب ومصنعه ومصدره، كيف تخلق لنفسك مبرر الوقوف معهم فى خندق واحد حتى ولو كان هذا الخندق مرافعة فى محكمة أو مذكرة تقدم لقاض؟
حتى لو استغل جهابذة القانون نصوصه.. لو ترافعوا وحصلوا لهم على براءات هنا وهناك.. سيحسب الأمر لدولة القانون أما حكم الشعب فقد صدر ونقش فى النفوس.. وشم عليه صورة كل شهيد ودمعة كل يتيم وكل أرملة وكل أم وأب قدموا أغلى ما لديهم لفداء هذا الوطن أهله بمن فيهم من خلقوا لأنفسهم المبرر المهنى للوقوف مع الإخوان فى نفس المكان والمكانة، وأن تجمعهم مصالح مؤقته وزائلة.. إبراهيم الهلباوى ليس مجرد قصة وحكاية ولكنه منهج ما زال يعتنقه البعض ولو كان بيننا لقبل ما قبلوه ولو كانوا فى زمانه من يعلم ربما قبلوا ما قبله.