مصطفى رحومة يكتب: صحافة لها طعم
مصطفى رحومة
عمن أحكى، عنى أم عنها؟، فهى درة التاج فى مشوارى داخل بلاط صاحبة الجلالة الذى قضيت فيه اثنى عشر عاماً تنقلت فى نصفها بين أفران الصحف، قبل أن أستقر فيها فى النصف الثانى من هذا التاريخ، لتصنعنا ونصنعها.
إنها «الوطن» يا سادة، تلك الصحيفة التى قادها القدر أن تولد عملاقة فى لحظة مخاض لوطن أكبر حاول سلة من المنتفعين اختطافه فى لحظة ألم ألمت به، فكانت «الوطن» شعاع أمل، ضخت كتيبته مداد أقلامهم فى شريانه فأنعشت قلب «الوطن».
6 سنوات، أتيتها حالماً، وتقربت إليها عاشقاً، فالتصقت بين جدرانها لعلى أنال نصيباً منها، فمن أتوها قبلى كانوا نجوماً يشار إليهم بالبنان، حفروا أسماءهم بأعمالهم، وأنا كتلميذ فى حضرة الأساتذة جلست أتعلم كأن سنواتى الست قبلها عدم، نهلت من علمهم، فنلت حظاً وضمنت مجداً لا يناله إلا قليلون، حيث وجدت كلماتى طريقها بجوار اسمها كمانشتات لأيام خلت.
معارك عدة خاضتها انتصاراً للحق والخير والجمال، كنا فيها درعاً لحمايتها، حتى حينما ضاق صدر الجالسين على السلطة فى غفلة من الزمن بـ«الكلمة» وأرادوا حرقها، كنا نحن حماتها بأقلامنا حتى وإن كره الكارهون الذين لاحقونا بالقضايا، وطاردونا بالشائعات، ورمونا بالأكاذيب، فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
هِمْتُ بها حتى كان كل موضوع جديد أسطره بقلمى، أتلهف أن أراه بعد أن طبعت حروفه على أوراقها بعد خروجه من المطبعة مباشرة، وكان كل إنجاز مهنى أحققه معها يدفعنى أكثر لتحدى نفسى بأن أتفوق على منافسة نفسى.
منذ يومها الأول ضبطت بوصلتها على «مصر»، فلم تضل يوماً الطريق، حتى حينما ظن البعض أنها دخلت دوامة بحر لجىّ، وأنها غارقة لا محالة كان قادتها يقودونها بمهارة فى أتون أمواج متلاطمة بالمهنة والوطن، حتى استوت على الجودىّ، فسلم الراية مؤسسها إلى قبطان آخر قادها بحكمة، عرف أن «الوطن قوته فى ناسه»، فاستثمر فى أبنائها، وأغدق علينا بالتدريب، فى محاولة لتسليحنا بمهارات عصر يتطور بسرعة كبيرة بين ليلة وضحاها، راهن علينا، فكان «ناسه» عند حسن ظن «وطنهم»، ليأتيهم التكريم ويقتنصوا الجوائز من الغرب والشرق، وهم من لا يزال فى جعبتهم الكثير ليقدموه وهم يرددون «هل من مزيد؟».
اليوم، نطفئ الشمعة السادسة فى عمر «الوطن»، 6 سنوات كألف عام مما يعدون، 6 سنوات من الكد والعرق لصنع قصص «الوطن» وعناوينها، لنقدم كل صباح «صحافة طازجة» بطعم «الوطن»، عجنت كلماته بآلامه وآماله وتطلعاته وخبزت صفحاته بالحقيقة والتجرد، هكذا نظن، من أجل قارئ ما زلنا على وعدنا وعهدنا معه سائرين، ولخدمته وخدمة «الوطن» ماضين.