«كبيش»: 90% من المحاكم ترفض الاكتفاء بحضور وكيل المتهم رغم جوازه قانوناً.. و«السيد»: نحتاج ثورة لإلغاء ما يكبّل التقاضى
كبيش والسيد
تمثل التشريعات والقوانين أحد أعمدة منظومة العدالة، فبقدر ما تتضمنه من أحكام ونصوص، يمكن رصد ما إذا كانت تسهم فى تحقيق العدالة الناجزة من عدمه، وقد اتخذت الدولة ممثلة فى السلطة التشريعية، إجراءات من أجل إنهاء مشكلة بطء التقاضى، لكن تظل هناك تشريعات ونصوص تعوق «العدالة الناجزة». من بين هذه القوانين التى رصدها خبراء القانون والقضاة، قانون الإجراءات الجنائية، وقانون المرافعات، وقانون لجان فض المنازعات.
ورغم إجراء تعديلات على بعض هذه القوانين، مثل السماح بحضور وكيل عن المتهم فى قضايا الجنايات، فإن المشرع أضاف فقرة لهذا التعديل أجاز بموجبه للمحكمة أن تأمر بحضور المتهم، وهو ما يعوق الفصل فى كثير من القضايا، إذ إن كثيراً من المحاكم ترفض حضور وكيل المتهم (المحامى)، وتؤجل القضية لحين حضور المتهم، بحسب قول الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائى، وعميد حقوق القاهرة الأسبق. وأضاف «كبيش» أن إضافة تلك الفقرة للتعديل الذى جرى على القانون أفرغ النص من مضمونه، وأصبحت 90% من المحاكم ترفض الاكتفاء بحضور المحامى وكيلاً عن المتهم.
ويرفض أستاذ القانون الجنائى أن يعتبر القانون أو التشريع السبب الرئيسى فى بطء التقاضى، مؤكداً أن عملية إعلان الخصوم يشوبها عبث وتلاعب من المحضرين والعاملين بقلم كتاب المحاكم، كما أن النيابة العامة، فى أحيان كثيرة، تقوم بالتأكد من صحة التوكيل المقدم من المحامى فى القضايا الغيابية حينما يطلب إعادة إجراءات القضية، من خلال إرسال مخاطبات للشهر العقارى للتأكد من صحة التوكيل وعدم تزويره من قبل المحامى، ما يستغرق وقتاً طويلاً فى إعادة الإجراءات بالنسبة للقضايا الصادر فيها أحكام غيابية. كما يقوم بعض المحامين بإساءة استغلال القانون من خلال الإسهاب فى رد القضاة بالمحاكم.
وقال «كبيش» إن الممارسات الفعلية هى السبب الرئيسى فى بطء التقاضى، فعلى سبيل المثال أى شكوى أو بلاغ يُقدم للنيابة العامة يتم تحقيقه وإحالته للمحكمة ثم يثبت بعد ذلك أن 90% من هذه البلاغات «كيدية» وتصدر فيها أحكام ببراءة المتهمين، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية والمباحث تقدم للنيابة كماً هائلاً من القضايا لإثبات جدية عملها دون أن يكون لتلك القضايا أدلة أو مستندات أو أساس قانونى سليم. وأوضح عميد حقوق القاهرة الأسبق، أن التشريعات ليست فى حاجة إلى تعديل باستثناء قانون واحد فقط يجب إلغاؤه وهو لجان فض المنازعات. ويعد قانون لجان فض المنازعات الصادر عام 2000، وما تضمنه من إنشاء لجان لفض المنازعات الإدارية قبل إحالتها إلى المحاكم المختصة، أحد القوانين المعطلة للعدالة الناجزة، فالعاملون بتلك اللجان من القضاة المحالين للمعاش، وبالتالى ليست لديهم القدرة الصحية على إنجاز القضايا المعروضة عليهم فى وقت قصير.
من جانبه، أكد المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، أن القوانين الإجرائية التى يتعين اتباعها فى الدعاوى التى تنظرها المحاكم، مثل قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية، تعد أحد أسباب بطء التقاضى، بالإضافة إلى القوانين الإجرائية الأخرى التى يترتب على تطبيقها إرجاء الفصل فى الدعاوى، فمثلاً فى القضايا المدنية يوجب قانون المرافعات إعادة إعلان المدعى عليه فى الدعوى متى كان الإعلان لم يتم تسليمه له شخصياً، أى تسلمه أحد أفراد أسرته (زوجته أو أبناؤه)، أو أن المُحضر لم يجد من يسلمه الإعلان لغلق المسكن، ففى هذه الحالة وفقاً للقانون يتم إعلان المدعى عليه فى قسم الشرطة التابع له ويتم إرسال خطاب إليه عن طريق البريد أن الإعلان تم تسليمه لقسم الشرطة التابع له مسكنه.
ويضيف «السيد» أن بعض القضايا المدنية يكون هناك أكثر من خصم فى الدعوى، ويقيمون فى أماكن مختلفة، وبالتالى يتم إعلانهم من خلال مُحضرى المحاكم التى يقيمون بدائرتها، وقد يستلزم الأمر سنوات حتى يكتمل شكل الدعوى لنظرها أمام المحكمة، فإذا تم ندب خبير فى القضية فعليه أن يرسل خطابات إلى الخصوم من المدعين أو المدعى عليهم، يخبرهم فيه بالموعد الذى حدده لمباشرة المهمة، وعند إعادة القضية إلى المحكمة يتولى قلم كتاب المحكمة إخطار الخصوم لإيداع تقرير الخبير. وتابع: «كل ما سبق من إجراءات تعطل بالقطع الفصل فى القضايا، ويمكن التغلب عليها من خلال إدخال التقنيات الحديثة واستخدامها فى إجراءات الإعلان دون تدخل من الموظفين المعنيين بإتمام إجراءات الإعلان والتى فى الغالب يكون المحضرون هم سبب تأخيرها».
وأضاف رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، أن قانون الإجراءات الجنائية يحتاج أيضاً إلى تعديل، خاصة أنه يعطى المتهم الذى لم يحضر جلسة محاكمته بالرغم من إعلانه، أن يطعن على الحكم الصادر فى غيبته بطريق المعارضة بالجنح أو إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات، مطالباً باستخدام الوسائل التقنية والحديثة لاختصار الوقت والجهد ولضمان إلمام الخصوم بالأوراق والمستندات التى يقدمها خصومهم أمام القضاء.
وتطرق المستشار رفعت السيد إلى ملايين القضايا البسيطة التى يمكن بتشريعات محددة الانتهاء منها، فعلى سبيل المثال ما المانع أن تختص الإدارات الزراعية بالفصل فى قضايا الزراعة، وكذلك قضايا الضرب والاعتداء أن يتم إسنادها للجان من الشرطة والقضاة، وقضايا الضرائب لمأمورى الضرائب، على أن تخضع قرارات تلك الجهات لرقابة القضاء من خلال توفير إمكانية الطعن عليها. وأشار «السيد» إلى أن تجربة الدوائر الاستئنافية لنظر طعون الجنح الموجودة أمام محكمة النقض، هدفها تخفيف العبء على محكمة النقض، ولكنها لم تحل مشكلة بطء التقاضى، لأن عملها قاصر فقط على محكمة استئناف القاهرة، وكان يجب تعميمها على جميع محاكم الاستئناف، كما أنه يجب إنشاء دوائر لمحكمة النقض بجميع المحافظات حتى يسرى الفكر القانونى لمحكمة النقض بالأقاليم بدلاً من وجود محكمة نقض واحدة على مستوى الجمهورية، كما يجب أن تتضمن التعديلات التشريعية وضع كلمة «وجوب» بدلاً من «جواز» فيما يتعلق بتصدى محكمة النقض لموضوع الدعوى فى حال نقض حكم الاستئناف بدلاً من إعادة القضية مرة أخرى لـ«الاستئناف»، وزيادة الرسوم القضائية الخاصة بإقامة الدعوى. وأوضح أن المقترحات سالفة الذكر تحتاج إلى ثورة تشريعية تتطلب من مجلس النواب أن يختار مجموعة من رجال القضاء والمحامين وأساتذة القانون وذوى الفكر من الكتاب والمفكرين لمراجعة القوانين التى تكبل يد العدالة.