إمام أحمد يكتب: سلامٌ على «أبى»
إمام أحمد
قبل 6 أعوام من الآن، حمل العدد الأول من «الوطن» أسماء مجموعة من الصحفيين الشبان الذين كانوا يخوضون تجربتهم الصحفية للمرة الأولى، كنت واحداً من هؤلاء الذين انتقلوا من الجامعة إلى ساحة العمل، أسعدنى ما أسعدهم، لكننا سريعاً طوينا صفحات الجريدة، وبدأنا فى العمل على العدد الجديد الذى سيخرج إلى النور فى اليوم التالى، هذا أول درس تعلمته هنا: لا تقف كثيراً عند ما قدمته بالأمس، واسأل نفسك دائماً: ما الجديد الذى يمكن أن تقدمه غداً!
قبل نشر موضوعى الأول بجريدتى -صاحبة الفضل علىّ- اختار بعض زملائى الاسم المميز الذى سيكتبونه على موضوعاتهم، الكثير من الصحفيين يحملون اسمين: واحداً فى بطاقة الرقم القومى والآخر على صفحات الجريدة. لكنى اخترت ألا أغير حرفاً من اسمى، ليبقى «أحمد» الأب الذى جاوز حاجز الستين جنباً إلى جنب مع «إمام» الابن الشاب الذى يشق أول طريقه.
فى نهاية يوم عمل طويل.. انتقلت إلى بيتى، واتجهت إلى غرفة والدى، ووضعت على سريره نسخة العدد الأول التى حملتها فى حقيبتى، لم أكن أقصد أن يطالع صفحة الرياضة التى كان يهتم بها، ولا أن يلقى نظرة سريعة على أخبار الحكومة والأحزاب والسياسيين والنشطاء فى بلد كان يغلى مثل ماءٍ فوق نار، لكنى كنت أريده كى يرى حلمه الذى تحقق: ها هو ابنه أصبح صحفياً -بضم الصاد- كما كان ينطقها دائماً.. وها هو اسمه «محشور» بين أسماء عدد من الكتاب والصحفيين الكبار من أسرة «الوطن».
كانت السابعة مساءً، تلقيت اتصالاً من والدتى التى كانت فى زيارة إلى قريتنا الصغيرة عبرت فيه عن فرحتها، انتهت المكالمة بعد كثير من الكلام الجميل، ثم لازمت البيت وحيداً، انتقلت عقارب الساعة سريعاً حتى دقت الواحدة بعد منتصف الليل، عدتُ إلى غرفة والدى، لم تتحرك الجريدة من مكانها، لم تقلب صفحاتها، انتظرته ست ساعات، لكن أبى لم يأت، لأن الذين ماتوا -قبل عامين- لا يعودون، يقولون إن الموتى يشعرون بمن قضوا حياتهم فى صحبتهم وعاشوا معهم فى حب، لم أكن أصدق هذا الكلام، لكنى فى هذه الليلة آمنت وصدقت بعد أن امتلأت الحجرة من حولى برائحة أبى، وآنست أذنى همساته.. كان يهنئنى ويشيد بى.
مضى كل هذا الوقت منذ تلك الليلة، وما زال أبى.. الرجل الطيب الهادئ الودود.. ما زال حاضراً مع كل موضوع جيد أكتبه على صفحات «الوطن»، أو خطوة جديدة أخطوها فى بلاط «صاحبة الجلالة».
يا «عم أحمد».. سلامٌ عليك
وسلامٌ على «الوطن»