عبدالله عويس يكتب: حكاية «مواطن»
عبدالله عويس
ظن أنى أسخر منه، حين أخرجت من حقيبتى قلماً وورقة، ووجهت له عدة أسئلة، فمحروس ذو الـ80 عاماً لم يصدق أنه سيصبح بطل موضوع صحفى، يتساوى فيه حجم صورته وكلامه وهو «مواطن» لا تتسابق إليه عدسات المصورين ولا أقلام المحررين، مع تصريحات لرئيس مجلس الوزراء فى نفس الصفحة من جريدة «الوطن»، وأنه سيصير مادة يطالعها القراء فى الصباح. لكنها الصحافة، وبدونها لما كانت لقصة المسيحى الذى يصوم رمضان أن تعرف.
لم تمض أيام على انتهاء فترة خدمتى العسكرية، حتى أخبرنى أحد أصدقائى بوجود فرصة للعمل فى جريدة «الوطن»، كنت بعدها بساعات فى ذلك المبنى الذى يقع بشارع مصدق، ومعى ثلاثة آخرون لمقابلة العمل، التى انتهت إلى مهلة أسبوع يقدم فيها كل شخص مجموعة من الأفكار وتنفيذها، لتكون محلاً للتقييم لا النشر، واعتماد صاحبها للعمل فى الجريدة من عدمه، فنشرت أول فكرة قدمتها فى ذلك الأسبوع، ومنذ ذلك التوقيت الذى مر عليه أكثر من عامين، والكتابة عن الناس باختلاف ثقافاتهم وأعمارهم لا تتوقف.
فى المساء تتحدث مع سيدة تبيع القرنبيط على فرشة بحى شعبى، وفى الصباح أنت على موعد مع مرشح رئاسى، وبين الاثنين أفكار تدونها، وصور لا تمر على عدسة هاتفك مرور الكرام، مهنة شاقة فى كل تفاصيلها، لولا الشغف بها، والإيمان بدورها فى المجتمع لما استمر بها أحد، لكن كل المشقة تذهب خلف مشهد عجوز يبيع السمك فى الإسكندرية، وقف فى سوق شعبية يوزع نسخاً من الجريدة لأن بها صورته وحكايته، خلف فرحة سيدة ستينية ألصقت على باب منزلها ما نشر عنها، ورجل وضع الصفحة التى حوت ما كُتب عنه فى إطار خشبى وعلقه على حائط فى منزله، ودموع فرح سيدة أهداها أحد القراء رحلة عمرة بعد أن طالع قصتها. لأننا فى النهاية صرخات الناس حين يشكون، وأنينهم فى لحظات الألم، ودبدبة أقدامهم حين يرقصون فى لحظات الفرح، ولأنهم فى النهاية البطل على الدوام.
فى «الوطن»، أنت مطالب بتطوير نفسك، والانتقال من مرحلة إلى أخرى، فما استحسنته بالأمس صار لزاماً عليك أن تقدم أفضل منه فى الغد، وكل كلمات الثناء تتحول إلى مسئولية، والحماس مستمر بفوز رفقاء المهنة فى مسابقات كبيرة، وهم أنفسهم يدفعونك للاجتهاد دفعاً، فى ذلك المكان، سيحدثك عامل البوفيه حول موضوع قرأه فى الصباح واستحسنه، ثم يشكو لك من موضوع آخر ود أن لو كان عنوانه مختلفاً، وستجد النصيحة من كل زميل، والدعم بكل أشكاله، هذه حكايتى وحكايتنا.. «مواطن ووطن».