"عزيزى المشاهد القاطن أمام شاشة التليفزيون... انتبه ... الصعايدة وصلوا"
يفرض وجود "الصعايدة" فى الدراما المصرية نفسه بقوة كرمانة ميزان فلا يستقيم الحال إلا بتوازن الكفتان فالمجتمع الصعيدى وما حوله يملك تقريباً نصف الأحداث الحياتية وربما نصف مكونات هذا المجتمع كاملاً.
أقوى من استطاع تمثيل "الصعايدة" درامياً كان الكاتب الراحل "محمد صفاء عامر" والذى جعل من الدراما الصعيدية عنصر جذب شديد ومنافس شرس للدراما الاجتماعية العامة بل ووضعها فى القمة وعلى رأس الأرشيف الدرامى فرغم مرور عشرات السنوات على عرضها إلا أنها مازالت تمتلك نفس البريق والوهج وجذب المشاهد لمتابعتها وكأنه العرض الأول وأبرزها "ذئاب الجبل – الضوء الشارد – الفرار إلى الحب" كما كان للكاتب "عبد الرحيم كمال" فى السنوات الأخيرة نصيباً مهماً بأعمال صعيدية قوية مثل "الرحايا – شيخ العرب همام" وهى الأعمال التى تتزايد نسب مشاهدتها مع تكرار عرضها إضافة لمشاركة الفنان السورى "جمال سليمان" ببطولتين صعيديتين "حدائق الشيطان – أفراح إبليس" ورغم جودتهما إلا أن لهجته الغير مكتملة أخذت من نجاح العملين ... أيضاً "عمرو سعد" قدم "مملكة الجبل – يونس ولد فضة" إلا أن الأول لم يحقق أى نجاح يذكر والثانى كان "صعيدى مودرن" معتمداً على أدائه الشخصى وأسلوبه فـ "قلب تهريج".
الحقيقة أن "الصعايدة" منذ فترة فى إجازة فلم يظهر على الساحة العمل القوى من قلب الصعيد الذى يستطيع أن يفرض نفسه بقوة وينافس ويقول "أنا أهو" وسيطرت على الساحة دراما البلطجة والمافيا والصراعات الفارهة البعيدة عن أعين المشاهد العادى ليتوارى الصعيد بموضوعاته ويأخذ "الصعايدة" إجازة إجبارية حتى جاء من يفتح لهم على مصراعيه باب "البيت الكبير".
فكرة عودة العمل الصعيدى الملئ بالأحداث والصراعات الشعبية من عمق مجتمعه بما تحويه من إثارة وتشويق هو ما نجح أن يحققه مسلسل "البيت الكبير" بجدارة ففى أوج هجوم وسيطرة الدراما البوليسية وصراعات رجال الأعمال والخيانات والانتقامات وبعض الأحداث الاجتماعية وغيرها يأتى "البيت الكبير" بهجمة مرتدة مفاجئة مرتدياً "العباية الصعيدى" ليسحب البساط من تحت أقدام الجميع ويحول إليه الأنظار التى أصابها الملل والزهق من الموضوعات والصراعات المكررة بأشكال مختلفة ومضمون واحد لتشاهد هنا صراعاً صعيدياً من الدرجة الأولى تنصهر فى أحداثه فى ذكاء يحسب لصناع هذا العمل الذين نجحوا بمنتهى المهارة فى ملء الفجوة الدرامية التى تركتها الأعمال الصعيدية الشعبية بغيابها ليكون ذلك هو مفتاح "البيت الكبير".
الإنتاج المتوسط عنوان المسلسل وهو ما يقدم عليه المنتج "ممدوح شاهين" فى كل أعماله معتمداً على صورة مميزة وسيناريو قوى "ورق حلو" مكتوب بحرفية شديدة وهو ما يتميز به المؤلف "أحمد صبحى" بقوة فـ "البيت الكبير" هو حلقة جديدة فى سلسلة نجاحات سابقة كونها المؤلف مع المنتج فى مسلسل "ألوان الطيف" ثم "حب لا يموت" و"السبع بنات" مع "محمد النقلى" مخرج "البيت الكبير" وهو الوحيد الآن الذى يملك إخراج "لمة العيلة" فى عمل درامى ما نفتقده بشدة منذ رحيل المبدع "إسماعيل عبد الحافظ" وهى التوليفة والخلطة السحرية التى يعتمد عليها المنتج فى إنجاح أعماله ليصنع بها شكلاً خاصاً ومميزاً استطاع حجز مكانه وسط الصراعات الإنتاجية التى تفوق العقل والمنطق.
حصد "البيت الكبير" نجاحاً مهماً وهو الهدف الحقيقى للمنتج بشكل عام ... ولكن الفكرة هنا ليست فى كسب النجاحات فقط بل أيضاً فى تقديمها وهو سر النجاح الأكبر لهذا العمل الذى كان بحق "البيت الكبير" لمجموعة كبيرة من الفنانين بإعادة توهج الكبار والدفع بمجموعات جديدة متميزة لمعت مؤخراً للمقدمة وهى شفرة العبور لهذا العمل.
ـ "أحمد بدير" الذى تعملق فجأة فبالرغم من مشواره الفنى الطويل ونجاحات درامية ومسرحية وبعض السينمائية إلا أن المتابع له سيكتشف أنه قرر منذ فترة تغيير جلده تماماً فبعد التصنيف الكوميدى أصبح فناناً قديراً يجيد تقديم الأدوار الصعبة والمركبة والدراما الحقيقية وهو ما ظهر بقوة بشخصية المحامى الفاسد فى مشاركة البطولة مع "أحمد السقا" فى مسلسله "الحصان الأسود" وكان عصباً لقوة الأحداث ليعود فى "البيت الكبير" ويقدم الأصعب فى شخصية مركبة تحتاج لفنان صاحب ثقل تمثيلى فكان لها "بدير" باقتدار فى إعادة جديدة لاكتشاف قدراته الفنية.
ــ "سوسن بدر" أيضاً تحولت منذ سنوات إلى "غول" تمثيل فوجودها فى أى عمل مهما كان وبأية مساحة للدور أصبح مركز ثقل وعامل جذب أساسى فهى تمتلك قدرات تمثيلية "زئبقية" تستطيع أن تقنعك بأية شخصية تقدمها وتتلاعب بها بمنتهى السهولة وربما تقدم كل الانفعالات فى شخصية واحدة بكل مرونة وأيضاً قد تشاهدها فى عدة أعمال فى وقت واحد بـ "سواسن بدر" مختلفة وهو ما أصبح يضعها دائماً على رأس الترشيحات للأعمال المهمة والتى تحتاج لأدوات هذه الفنانة.
ــ "لوسى" تعود للتمثيل الحقيقى بعد تخبطات كثيرة ومحاولات لوضع نفسها فى إطار خفة الظل التى لا ترتقى للكوميديا فى محاكاة ومنافسة لـ "علا غانم" ولكنه كان الرهان الخاسر الذى تسبب فى تآكل مجهودها الضائع دائماً بالتركيز فى إلقاء "الإيفيه" الغير موفق فى أغلب غالبية الوقت فدخلت "البيت الكبير" مصادراً منها ماكينة "إيفيهاتها" على بوابته لتقدم شخصية درامية تدير صراعاً ليس فيه مجالاً إلا التمثيل والأداء فتحددت مهمتها الرئيسية ولم تكن هناك فرصة للتشتت فتصدرت المشهد بأداء درامى حقيقى خالى من الشوائب.
ــ "دنيا المصرى" مفاجأة العمل الحقيقية بل ومفاجأة الدراما لهذا العام بالقياس على القالب الذى تم حصرها فيه منذ ظهورها فما قدمته فى هذا العمل تحديداً درساً للتطوير والمجهود والتركيز و"الشغل على النفس" بجانب مخرج قدير استطاع أن يخرج منها ما لم تتوقعه هى شخصياً فتقدم الأصعب والأقوى بـ "ريتال" الذى سيكتب كنقطة تحول كبيرة فى مسارها والإعلان الرسمى عن جاهزية بطلة جديدة تستطيع تصدر أعمال مهمة وتحجز مكانها وسط الكبار فكما يقال "دنيا دلوقتى تشيل مسلسل" بداية من تقاسمه مع بطل كبير وصولاً لبطلة مطلقة إن أرادت هى ذلك وهو ما يظهر مركزاً فى مسلسلى "الدولى" و"ولاد 9" وقبلهم "السبع بنات" و"حب لا يموت" وبالعودة سنوات للوراء وتحديداً 2010 لتشاهد ما قدمته مع "مى عزالدين" فى مسلسل "قضية صفية" ستكتشف أن "دنيا المصرى" مازالت تمتلك الكثير ومع الفرص الجيدة والعين الواعية ستحقق الأكثر.
ــ "ريم هلال" وصيفة ملكة جمال مصر الأولى 2006 فى عودة موفقة جداً بعد غياب ومحاولات كثيرة للتواجد لم تحقق طموحها إلا أن "البيت الكبير" تشعر فيه أنها وجدت ما تبحث عنه فقدمت أفضل أداء منذ بدايتها الفنية والذى يعتبر البداية الحقيقية لها الآن وعليها استغلالها والتركيز الشديد فيما ستقدمه بعد ذلك لأن القفزة الكبيرة للأمام لن تقبل خطوة واحدة للخلف.
ــ "مى فخرى" إحدى نجمات الإعلانات و"الموديلينج" القادمة بقوة وتعتبر إحدى مفاجآت العمل فلا تتوقع منها هذا الأداء القوى المتماسك والذى يؤكد أنها "قررت تمثل" بعدما كانت لها محاولات سابقة أشهرها "عمر وسلمى3" بجانب مشاركتها فى أحد برامج الواقع للموضة ليفتح لها "البيت الكبير" أبوابه لتنطلق منه بقوة .... فهل تفعلها؟
ــ "منذر رياحنة" يعتبر أفضل أدواره والذى اعتمد فيه على أحاسيس كثيرة مركبة وردات فعل وتعبيرات مختلفة هى الأصعب فى الأداء رغم أنه مازال يعانى من أداء اللهجة بنفس معاناة "جمال سليمان" وهو أمر يتعلق بالمهارة الشخصية أو التأقلم ما يصيب التركيز فى مواضع تمثيلية كثيرة.
ــ "طارق صبرى" يقدم خطوة جديدة للأمام ويمسك بأدواته التمثيلية بشكل أكثر احترافية وبدأت تظهر عليه عوامل الخبرة بشكل كبير ولكن دائماً ما تقف نظراته وتعبيرات عينيه المغلفة بالصدمة والفزع باستمرار عائقاً أمام اكتمال تحقيق نجومية أمسك بخيوطها الأولى .
ــ "لقاء سويدان" تظهر بشكل وأداء مختلف تماماً بتغييرات جذرية فى الشكل والمضمون فى محاولة لاكتشاف مساحات جديدة فى الأداء وهو ما تحقق لها بالفعل ونجحت فى المزاحمة فى "البيت الكبير" وأوجدت لنفسها مكاناً مناسباً.
ــ "حمادة بركات" يسير بخطى ثابتة ويتقدم بهدوء محافظاً على خريطته التمثيلية من أداء متوازن بين الدراما وخفة الظل وهو ما يجيد توظيفه بمهارة فى السياق دون الانحراف فى سكة "استظراف" أو "بواخة" وهو سر تواجده وانتشاره فى أعمال كثيرة وزيادة مساحات أدواره بشكل ملحوظ فيشعرك دائماً أنه يستمتع بالتمثيل فمع التنوع يحافظ على بصمته الشخصية التى صنعها لنفسه والتى يستطيع بها ترك أثراً قوياً حتى وإن كانت مساحة الدور صغيرة وهو ما ظهر بوضوح فى شخصية "حسن" بمسلسل "طاقة القدر" لـ "حمادة هلال" ما يؤكد أنك أمام ممثل محترف يستطيع إدارة نفسه.
ــ "ياسمين سمير" أحدث الوجوه الشابة العائدة بقوة وهى إحدى الروافد المتميزة لأكاديمية الفنون فدائماً ممثل المسرح يمتلك قوة الأداء والمواجهة وهو ما يظهر فى أداءه بشكل صريح والحقيقة أن "ياسمين" تمتلك أدوات الممثل بحرفية ورغم محاولات عديدة قدمتها ونالت بها الإشادة إلا أن الظهور المميز فى "البيت الكبير" والذى يحمل بداية خبرات متراكمة وإصرار على إثبات الذات يعتبر شهادة ميلاد تعبر بها من بوابته إلى مرحلة جديدة تنتظرها فى ظل موجة الدفع بالنجوم الشباب المميزين فى الأعمال الكبيرة وهو ما سيؤهلها للصفوف الأولى بشكل سريع مع اجتهادها فى التطوير واكتساب مزيد من المهارات والخبرات الفنية.
أيضاً وجود "حجاج عبد العظيم" و"أحمد صيام" اللذان أضافا قوة لأعمدة "البيت الكبير" وهناك "شريف باهر" بأدائه الخفيف المميز وعودة جيدة جداً لـ "إيمان أيوب" و"إيناس شيحة و"تيسير عبد العزيز" التى مازالت تؤكد أنها طاقة كبيرة لم تستغل بعد وظهور مميز إلى حد كبير للأردنية "ريم بشناق" فكانت الصناعة لإخراج منتج يحمل مواصفات الجودة وهو ما تحقق فعلياً وربما يصبح دليلاً لصناعة عمل متكامل كان ينقصه فقط موسيقى بثقل "ياسر عبد الرحمن" وعدم الاستسهال بالاستعانة بغناء "طارق الشيخ".
النجوم التى خرجت من "عباية البيت الكبير" أثبتت خطأ مقولة "الصف الثانى" وأكدت أن هناك صفوف أولى متعددة ولكنها درجات تعيد ترتيب نفسها دورياً حسب النجاح ومقوماته ونفس الـ "عباية" أكدت عودة العمل الصعيدى مرة أخرى بقوة لتعلنها صريحة ..... "الصعايدة وصلوا".