كثر الحديث مؤخراً عن لعبة «الحوت الأزرق»، ولاسيما بعد انتحار نجل النائب البرلمانى السابق حمدى الفخرانى. ويرجع ظهور هذه اللعبة إلى العام 2016م، ويطلق عليها العديد من الأسماء، منها «تحدى الحوت الأزرق» و«المنزل الصامت» و«بحر الحيتان»، و«أيقظنى قبل الساعة الرابعة وعشرين دقيقة صباحاً».
ويتم ممارسة اللعبة خلال خمسين يوماً، وفى اليوم السابع والعشرين يقوم الشخص برسم وسم للحوت على ذراعه، وفى اليوم الخمسين يطلب من اللاعب قتل نفسه. وقد أدت اللعبة إلى انتحار أكثر من 130 مراهقاً حول العالم حتى تاريخه.
وعلى أثر الكشف عن خطورة اللعبة وتعدد ضحاياها من المراهقين، ومساء السبت 21 أبريل 2018م، أصدر النائب العام قراراً بتكليف الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات باتخاذ ما يلزم من إجراءات لحجب المواقع التى تبث الألعاب الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ومنها ما يسمى بـ«الحوت الأزرق». وذكر بيان صادر عن مكتب النائب العام أن «هذا القرار يأتى باعتبار أن تلك الألعاب ذات خطورة، كونها تستهدف صغار السن، ويترتب على اتباع تعليماتها ومراحلها المختلفة، إيذاء الشخص لنفسه أو ذويه، بما قد يصل بالأمر إلى الانتحار وارتكاب جرائم القتل، وهو أمر يمس أمن وسلامة قطاع عريض من الأسر المصرية؛ ما يجعله أمراً متعلقاً بالأمن القومى والمصالح العليا للبلاد».
ونعتقد أن الموضوع يحتاج إلى معالجة أعم وأشمل، لا تقتصر على مواجهة لعبة «الحوت الأزرق»، وإنما تمتد إلى البحث فى سبل «حماية الأطفال على شبكة الإنترنت». فالعالم الافتراضى لا غنى عنه فى الوقت الحالى، وستزداد أهميته فى المستقبل القريب. وهذا القول يصدق على الأطفال، كما يصدق على البالغين. وتوفر المدارس العامة فى دول العالم المتقدم لطلابها وبشكل متزايد إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت، ويتم توفير هذه الخدمة للقيام بالأنشطة الإلزامية كجزء من المنهج الدراسى، وفى جزء آخر للاستخدام الطوعى للطلاب فى مكتبات المدارس ومعامل الكمبيوتر. ويعتبر الكثيرون أن الإنترنت يشكل جانباً مهماً من جوانب التطوير التعليمى، وهو ضرورى لتعريف الطلاب بالموارد التكنولوجية التى يتوقع منهم استخدامها فى العالم الخارجى. ومع ذلك، ورغم أن الإنترنت يوفر فرصاً معرفية قيمة، فإن ذلك يترافق مع وجود بعض المساوئ، ويأتى على رأسها الفيديوهات الإباحية والجنسية.
وإدراكاً للمخاطر التى ينطوى عليها استخدام الإنترنت، عمد المشرع الأمريكى إلى إصدار العديد من القوانين الرامية إلى حماية الأطفال المستخدمين له. ففى 1996م صدر قانون آداب وأصول الاتصالات (CDA)، الذى يعاقب من يستخدم عن عمد نظام كمبيوتر تفاعلى للتواصل مع القُصَّر بطريقة مسيئة بشكل صارخ وفقاً لمعايير المجتمع المعاصر. وفى 1998م صدر قانون حماية الأطفال عبر الإنترنت (COPA)، ونص على إلزام مزودى الشبكات بتنفيذ الحواجز التى تتطلب إثباتاً للعمر للتمكن من الوصول إلى المواقع التى تنشر معلومات ضارة بالقصر. وفى 2000م صدر قانون حماية الأطفال على الإنترنت (CIPA)، الذى يلزم المدارس والمكتبات العامة بتنفيذ تدابير الحماية التكنولوجية على جميع أجهزة الكمبيوتر المزودة بالإنترنت.
إن الحاجة تقتضى تدخلاً تشريعياً عاجلاً من مجلس النواب، للاستفادة من التجربة الأمريكية وتجارب الدول الأخرى فى هذا الشأن، وسن قانون متكامل لحماية أطفالنا من مخاطر الإنترنت.. والله من وراء القصد.