ورشة «الكراتية» للنحت على «عظام الجمال».. للإبداع وجوه أخرى
بعض المنحوتات من عظم الجمال
بضع درجات سلم تأخذك إلى أسفل المكان بعد اجتيازك بوابة حديدية سوداء، وفى الداخل منها كانت ورشة صغيرة للنحت على «عظام الجمال»، مكونة من قاعة رئيسية تتوسطها طاولة كبيرة بعض الشىء وُضعت عليها منتجات فى شكلها النهائى تعبر عن المجتمع الذى يعيش فيه الفلاح القناوى، وتحديداً فى قرية الكراتية، التابعة لمركز قوص.
وحول هذه الطاولة كانت بعض الماكينات إلى جوار الحائط، تجلس خلفها سيدات فى ثياب غامقة اللون، فجميع العاملين بالورشة سيدات، كلٌ منهن انهمكت بتركيز تام فيما يقمن به من عمل، بعد أن وضعن الكمامات السوداء على وجوههن، فهذه تقف ومن أمامها ماكينة تقطيع العظام، وإلى جوارها أخريات يتناولن من بعضهن البعض ما ينجزنه فى أدوار محددة سلفاً.
26 عاملة فى تخصصات مختلفة ينحتن أشكالاً تعبر عن البيئة الريفية.. والأخشاب وقرون الجاموس تضفى عليها مزيداً من الجمال
بخيتة حلبى، سيدة فى العقد الرابع من عمرها، وإحدى مشرفات الورشة، تتحدث عن أعوام خمسة من العمل قضتها داخل هذه الورشة التى لم يتخط عمرها 6 أعوام، وفيها تقوم السيدات بالنحت على عظام الجمال وتشكيلها بأشكال تعبر عن البيئة الريفية، من خلال مراحل إنتاج متعددة، تبدأ أولاً بغلى العظام الخام وتنظيفها، لكى تخرج من هذه المرحلة إلى مرحلة التقطيع، وفيها يتم تقطيع العظام إلى الأشكال المراد إنتاجها، ومنها إلى مرحلة الصنفرة، والتى تتم من خلال ماكينة تجلس عليها سيدتان تمسك كل واحدة منهما بقطعة من العظام تعمل على صنفرتها، ثم إلى مرحلة الرسم وتشكيل المنتج، ليعود المنتج بعد ذلك إلى التلميع مرة أخرى كمرحلة نهائية قبل تجميع أجزاء المنحوتة ولصق كل منها بالأخرى.
تُجسّد «بخيتة» وزميلاتها داخل الورشة أشكالاً مختلفة من خلال النحت على عظام الجمال، فينحتن أفراد الفرق الموسيقية الشعبية من الزمّار والطبّال، كما ينحتن الفلاح وأدواته، وغير ذلك من الأشكال كلها من البيئة الطبيعية حولهن، ولم تكن عظام الجمال هى المكون الوحيد لهذه المنتجات، وإنما يتداخل فيها أيضاً الأخشاب وقرون الجاموس، التى تضفى عليها مزيداً من الجمال وتستخدم لأغراض محددة، ولكن تظل عظام الجمال هى المكون الرئيسى لمنتجات الورشة، لما تتميز به من قدرة على تحمل النحت والرسم عليها، حسب «بخيتة»، ولأن الورشة تعود تبعيتها إلى إحدى الجمعيات الأهلية ضمن مبادرات تنمية الصعيد، حيث تتولى هذه الجمعية توفير المواد الخام اللازمة للتصنيع، كما تتولى بعد ذلك توزيع المنتجات.
ومنذ إنشاء ورشة النحت على عظام الجمال فى قرية الكراتية، التابعة لمركز قوص، وحتى الآن، وصل عدد العاملات بها إلى 26 عاملة، لكل منهن تخصصها الذى تبدع فيه، اجتمعن هنا جميعاً على حب هذا الفن الفريد من نوعه داخل المحافظة، فيأتين كل يوم فى التاسعة صباحاً، ليبدأن عملهن حتى الثانية ظهراً، نظير راتب يومى قدره 25 جنيهاً فقط، وهن ينتجن خلال ساعات العمل فى اليوم من 3 إلى 4 قطع مختلفة، إلا أن هذه كمية قليلة، حسب «بخيتة»، التى أشارت فى حديثها إلى قلة الإمكانات داخل الورشة رغم توافر الأيدى العاملة، فهن فى حاجة إلى أجهزة وماكينات أكثر تساعدهن على الإنتاج بكميات أكبر.