«البمبوطية».. من الـ«شيب شندر» إلى «توريدات السفن»
عبدالنبى
على كورنيش السويس، جلس الجد محمد عبدالنبى يحكى لحفيده «إسلام» عن ذكرياته مع البحر، الذى بدأ العمل به كـ«شيب شندر»، أى مورد منتجات ملاحية للسفن التى تعبر القناة، بعد انتصارات أكتوبر، 45 عاماً قضاها الجد فى مهنة «التوريدات الملاحية»، كان خلالها شاهداً على التطور الذى لحق بها، ثم ما لبث أن أفسح الطريق للحفيد ليكمل ما بدأه الجد.
قديماً كان يطلق على أصحاب التوريدات الملاحية «البمبوطى»، يقولها «إسلام»: «قبل وجود الاتصالات والشركات الملاحية كان البمبوطية يذهبون إلى السفن فى أماكن الانتظار ليقوموا بشراء مخلفاتها من الأحبال القديمة والخردة والبويات ويقوموا بشراء بعض المنتجات لقباطين السفن»، يقاطعه الجد: «لكن يجب التفريق جيداً بين البمبوطى «man boat» أى رجل القارب الذى تقتصر وظيفته على جمع مخلفات السفن وليس توريد منتجات فى الأصل»، يرد الشاب: «زمان قبل التطور والاتصالات كان أغلب الشغل بمبوطية وكانت الشركات الملاحية وظيفتها تقتصر على إنهاء أوراق السفن سواء السفر أو العبور، ولما اكتشفت الشركات إن شغل البمبوطية وبيع المنتجات للسفن مربح، طالبت بتقنين عمليات البيع إلى السفن وبالفعل أصبح بيع المنتجات من خلال تراخيص وتصاريح أمنية وأصبح البمبوطى وظيفته تقتصر على جمع مخلفات السفن وليس توريد المنتجات، وتحول بعضهم مع الوقت إلى بيع بعض المنتجات التذكارية فقط». يعتدل الجد مستنداً على عكازه الخشبى: «عشان كده بقول فيه فرق بين البمبوطى والشيب شندر، لأن الأخير هو الشخص اللى بيتعامل مع قباطين السفن ويورد لهم احتياجاتهم من منتجات غذائية ومشروبات وسجائر ومعدات الماكينات والدهانات والأحبال». يحكى الجد عن تطور مهنة «شيب شندر»: «زمان قبل الإنترنت والفاكسات كان الشيب شندر يطلع باللنش الخاص به متوجهاً إلى منطقة انتظار السفن بالغاطس، يعرض خدماته على قباطين السفن وكان القبطان هو اللى بيقرر يتعامل مع مين وكان فيه عدد كبير من الـ(شيب شندر) كل واحد له العروض الخاصة به».
«عبدالنبى»: «كنت بتعامل مع يونان وإنجليز وألمان وأمدهم بالمنتجات الغذائية والمشروبات والسجائر بأسعار مناسبة»
يتابع الجد: «أكتر حاجة كان يركز عليها القباطين ضرورة جودة المنتجات وأن تكون أسعارها مناسبة»، لافتاً إلى أن إجادة اللغة الإنجليزية كانت تفرق كثيراً فى التعامل مع القباطين لأنهم يحبون التعامل مع رجل يفهم لغتهم بإتقان وكذلك الصراحة والأمانة وأن يلتزم «الشيب شندر» بالمنتجات التى تم الاتفاق عليها.
تجهيز المنتجات قديماً كان يتم بعد أن يقوم «الشيب شند» بأخذ الطلبات من القبطان بالأمر المباشر، لكن حديثاً ومع دخول الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة أصبحت السفن ترسل رسائل البريد الإلكترونى قبل دخولها إلى منطقة قناة السويس بحسب «إسلام»: «السفينة ممكن وهى فى الصين تبعت لى ميل بالطلبات اللى هى محتاجاها، أقوم أنا كشركة بتجهيزها وبمجرد وصولها إلى السويس يتم شحن المنتجات إليها، أما قديماً فكان (الشيب شندر) يقوم بتجهيز المنتجات فى وقتها».
سفن من جنسيات مختلفة تمر فى السويس، بعضها يتعامل بشكل دائم مع شركة الجد التى يعمل بها الحفيد إسلام والبعض الآخر يتعامل بالمركب كل على حسب احتياجاته: «فيه سفن متعاقدة معانا وعلى طول بتتعامل مع شركتنا وفيه مراكب بتتعامل معانا بالقطعة وده بيتوقف على الأسعار والعروض».
التعامل المستمر مع الشركة بعقد، يراه الجد، نتيجة الثقة التى نشأت بينه وبين المركب، متذكراً الجنسيات المختلفة التى كان يتعامل معها فى البحر: «كنت بتعامل مع جنسيات كتير يونان وإنجليز وألمان»، إلا أنه يرى أن الألمان كانوا الأكثر التزاماً معه، لافتاً إلى أن حساب توريد المنتجات يكون إما دفع مقدم أو من خلال فاتورة يتم تسديدها لاحقاً. مشاكل كثيرة تتعرض لها شركات التوريدات الملاحية، أبرزها قلة الطلب من قبل السفن، نتيجة لارتفاع أسعار المنتجات وقيام أغلبهم بشراء احتياجاتهم من الصين أو الإمارات، ورغم ذلك تحاول الشركات التجديد من طريقة عملها حتى تتواكب مع زيادة الأسعار الجديدة.
وحول أماكن توفير منتجات السفن فى الوقت الحالى، يوضح إسلام أنها يتم توفيرها من خلال السوق المحلية وهناك منتجات يتم توفيرها من الإسكندرية وبورسعيد وأخرى من السوق الحرة كالمشروبات الكحولية والسجائر، لافتاً إلى أن تلك المنتجات قبل تحميلها على السفن يتم مرورها خلال كشك التموينات وهو تابع للهيئة العامة لقناة السويس يقوم من خلاله الموظف بتسعير المنتجات من الجنيه المصرى إلى الدولار حتى لا يتم التلاعب بالأسعار. أما كمية المنتجات فيتم تحديدها وفقاً لأعداد طاقم المركب والمدة الزمنية التى سوف يقضونها فى عرض البحر، فهناك مراكب قد تستمر رحلتها 6 أشهر ومراكب أخرى قد تصل إلى شهرين، بحسب «إسلام».
اشتغال إسلام بالبحر وبمهنة التوريدات الملاحية جعله خبيراً أيضاً فى تحديد وجهات السفن بمجرد رؤيتها وكذلك الخدمات التى تريدها سواء أرادت إجراء إصلاحات فى «دراى دوك» وهو حوض عائم متحرك الأرضية تدخل فيه السفن التى تحتاج إلى إصلاحات أو السفن التى تنتظر دورها أمام بوغاز البترول لملء خزاناتها لاستكمال رحلتها.
إسلام