فرقة «الكبار».. ملتقى فنى للحفاظ على تراث السمسمية
رضا قنديل وفرقة الكبار
جلس وسط تلاميذه يدرّبهم على أغانى السمسمية التى تعلمها وحفظها عن ظهر قلب، وسطرت تاريخ مدن القناة، فكانت دافعاً لشحذ همم الجنود وأفراد المقاومة الشعبية، أثناء حرب الاستنزاف، يقترب من تلميذه «بلال»، صاحب السنوات الـ12، يتأكد من أنه يُمسك بـ«سمسميته»، مسكة صحيحة، يُردّد معه كلمات أغنية «على هدير المدافع، علىّ الأذان علىّ»، يحتفى بمهارة الطفل الكفيف الذى اختار آلة السمسمية دون غيرها، لتكون رفيقته فى البيت والمدرسة.
5 سنوات، هى عمر فرقة «الكبار»، للحفاظ على تراث السمسمية التابعة لمكتبة مصر العامة بمدينة الإسماعيلية، والتى أسسها رضا قنديل، لتكون بمثابة الناقل لـ«تراث السمسمية» إلى الأجيال الجديدة من الأطفال، الذين انضموا إلى الفرقة، حباً فى تعلم العزف على آلة ورثوا حبها من أجدادهم وآبائهم، وهو ما دفع «شهد مسعد محمد»، للانضمام إلى الفرقة قبل عامين، لينجح «قنديل» فى ضم أصغر فتاة تعزف على آلة السمسمية، وأول طفل كفيف يتمكن من العزف على هذه الآلة فى تاريخها.
«قنديل»: لدينا الطفلان «بلال وشهد» أول كفيف وأصغر عازفة.. وندرب الطلبة على أشهر أغانى القنال والمقاومة
يجتمع «قنديل» مع تلاميذه مرة أسبوعياً، اختار يوم الجمعة ليكون ملتقى التلاميذ، حيث عطلة الأطفال الدراسية، يبدأ هو وفريقه المكون من ثلاثة أفراد غيره، فى تدريب الطلاب على أشهر الأغانى المرتبطة بالسمسمية، يقول «رضا»: «لما حبينا ننقل ونحافظ على تراث السمسمية كان هدفنا ليس فقط نقل الأغانى بطريقة شفهية، لأن الأساس فى السمسمية هو العزف، والعازف أصل الفرقة، ومن هنا جاء التركيز على تعليم العزف على الآلة، وأقدر أقول حالياً إن بلال وشهد، كل واحد منهما يقدر لوحده أن يؤسس فرقة للسمسمية».
مميزات كثيرة تجعل آلة السمسمية منفردة عن غيرها من الآلات الوترية، حسب قول «قنديل»: «السمسمية لها سحر خاص وقادرة على جذب مستمعيها، فهى تعد أول آلة موسيقية كاملة الصوت والتكوين عرفها البشر، وتمتد إلى الأسرة الـ13 الفرعونية، ويمكن رؤيتها على حوائط المعابد، كما أن السمسمية تغنى نفس مسار اللحن مع المطرب، علشان كده بتوصل لإحساس الناس بسرعة».
ارتباط أغانى السمسمية بمقاومة المحتل، أمر لا يجده «قنديل» غريباً، مؤكداً أن الآلة ارتبطت بمواجهة المحتل منذ أزمان بعيدة، وكانت أغانيها النضالية دافعاً فى شحذ همم الجنود وأفراد المقاومة الشعبية فى مواجهة الصهاينة، فنجد أغانى «فات الكتير يا بلدنا، على هدير المدافع، غنى يا سمسمية»، شاهداً على هذا الأمر، لكن بعد انتهاء الحروب، تحولت أغانى السمسمية لتكون جزءاً أساسياً من حياة المواطنين، فوجدت مكانها فى حفلات السمر والأفراح، وكذلك تشجيع «الدراويش» أو النادى الإسماعيلى.
غياب الفتيات عن عزف السمسمية طوال السنوات السابقة، يرجعه «قنديل» إلى العادات والتقاليد، رغم أن جميع رسومات السمسمية على المعابد الفرعونية عازفتها سيدة، وهو ما شجّعه على تعليم «شهد» العزف على السمسمية التى اختارتها، نتيجة حبها الشديد لها وتشجيع والدها، قائلة: «أول ما مسكت السمسمية حسيت أنها لونى وقرّرت أكمل، وبالفعل طلعت فى حفلات مع الفرقة، وكنت باصورها فيديو، وأوريها لأصحابى فى المدرسة». على بُعد خطوات من «شهد» كان «بلال» يتحسّس خطواته للجلوس بجوار مدربه «قنديل»، ليستعد للانضمام إلى التدريب الأسبوعى، يقول: «أنا اللى اخترت السمسمية، وساعتها كنت فى حفلة لأستاذ رضا، وسألته إذا كان ينفع أعزف سمسمية، وهو ساعتها رحب بى وبقيت ضمن فريقه، وبدأت أتعرف على السمسمية من خلال لمس الأوتار».
تعليم «بلال» العزف على السمسمية كان أمراً جديداً بالنسبة لـ«قنديل»، فهذه هى المرة الأولى التى يتعامل فيها مع طفل «كفيف»، وكذلك المرة الأولى فى تاريخ السمسمية التى يمسك بأوتارها «كفيف»، وهو ما علق عليه «قنديل»: «بلال حالة متفردة، الكفيف الوحيد فى تاريخ السمسمية اللى قدر يتعلم على الآلة وكمان طفل، أنا باعتبره رزق، لأنه عنده موهبة وإصرار وحب ورغبة فى التعلم، وأصبح يعزف ويقدم أغنيات خاصة بالسمسمية بمفرده».
بلال
شهد