كل عام والوطن بخير وسلام، رمضان كريم.. تحدثنا الأسبوع الماضى عن الطيور الجارحة التى تركت الوطن وتشبثت بالريالات القطرية والليرات التركية ثم رجعوا الآن يبكون ويطلبون العودة والغفران بعد انتهاء السبوبة وتصاعد حدة خلافات اللصوص على الغنيمة، ولأنه ليس خفياً إلا ويستعلن فقد أصبحت فضيحتهم عالية الصوت تصم الآذان.
ولأن الضد يُظهر حسنه الضد، نتحدث اليوم عن طيور مهاجرة أخرى ابتعدت عن الوطن وظلت متعلقة به، تساعده بكل الطرق، وتقوى روابطها معه.. كنتُ فى زيارة الأسبوع الماضى إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدأتها من ولاية «ألينوى» حيث مدينة «شيكاغو» الشهيرة بصورة ذهنية غير حقيقية مفادها أنها مدينة العصابات والمافيا كونها معقل «جون ديلينجر» و«آل كابون».. المدينة فى الواقع هى تجسيد لشعار مدارسنا الشهير: جميلة، نظيفة، متطورة.. وهى المدينة الأمريكية الثالثة من حيث عدد السكان بعد مدينتى «نيويورك» و«لوس أنجلوس»، وهى تستقبل نحو 50 مليون سائح سنوياً، منهم 11 مليوناً من خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
فى شيكاغو أماكن كثيرة تستحق الزيارة.. كنت كعادتى أبحث عن المسارح والمتاحف بالمدينة، إلى أن عثرت على ما لم أكن أتوقع.. متحف «حليم للساعات والزجاج» بضاحية «إيفانستون» بالمدينة.. اسم المتحف دعانى للبحث عنه وزيارته.
«حليم» هو المهندس المصرى «كميل حليم» الذى هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أواخر ستينيات القرن الماضى، وأصبح أحد أغنى أغنياء شيكاغو، وظل خلال الثلاثين عاماً الأخيرة يُجمّع فى الساعات الأثرية والزجاج النادر من مزادات حول العالم، واستمر فى بناء مبنى متحفه الفريد لمدة 11 عاماً، وهو مبنى يتكون من خمسة طوابق، ويضم داخله 600 ساعة أثرية تمتد جغرافياً لكل أنحاء العالم، وتتعمق تاريخياً وصولاً للعصر الفرعونى.
من الساعات الفريدة بالمتحف «ساعة نابليون» التى أهدتها بلدية ليون لنابليون بونابرت بعد عودته من مصر.. و«ساعة الفيل» الصينية التى تملكها الإمبراطور الصينى فى القرن الثامن عشر. وبالمناسبة فإن الجناح الآسيوى بالمتحف لا نظير له فى العالم، خارج المدينة المحظورة بالعاصمة الصينية بكين.. وهناك كذلك جناح فرنسى وآخر إنجليزى وثالث أمريكى.. وبالمتحف أيضاً جناح كامل مخصص لأعمال الفنان الأمريكى الشهير «لويس تيفانى» يعرض مجموعة نادرة ومتنوعة من أعماله المختلفة.
حول العالم هناك متاحف للساعات شبيهة بهذا المتحف، مثل متحف «هارفينهاوس» بالنمسا، ومتحف «قصر توبكاى» بتركيا وغيرهما، لكن متحف «حليم» يتميز باحتوائه بجانب الساعات النادرة على دور كامل لفن الزجاج، وهو مكان فريد من نوعه ويضم أكثر من 80 شباكاً من الزجاج الملون لأشهر الفنانين الأمريكيين فى القرن التاسع عشر، مع أكثر من 300 قطعة زجاج أثرى تبدأ من العصر الفرعونى وحتى القرن التاسع عشر.
علمت أيضاً أن المتحف حصل الشهر الماضى على لوحتين للفنان المصرى الكبير «محمود سعيد» عبر مزادين، بقيمة إجمالية نحو مليون دولار أمريكى، لتكونا نواة جناح مصرى فى المتحف، لتعريف الزوار بأعلام الفن المصرى.
متحف «حليم» يستحق الزيارة والاهتمام، ونرجو من وزارتى الآثار والثقافة التعاون معه لأنه جسر تواصل ثقافى مصرى أمريكى.