مرضى «الشلل الرعاش» يعانون نقص الأدوية.. والصيدليات: بطّلوا ينتجوها.. ولابد من وجود رقابة على الشركات
مرضى «الشلل الرعاش» يبحثون عن العلاج ويعانون من نقص أدويتهم داخل الصيدليات
تتحرك عقارب الساعة معلنة التاسعة صباحاً، أمام وحدة الحركات اللاإرادية بالعيادات الخارجية بكلية طب قصر العينى بالقاهرة، ينتظر العشرات من مرضى الشلل الرعاش والذاكرة دورهم فى الدخول إلى الطبيب المعالج، وجميعهم اعتادوا التردد على العيادة يوم الأربعاء من كل أسبوع، الموعد الذى يخصصه المستشفى لمتابعة حالاتهم، ولا تقتصر معاناة هؤلاء المرضى على مرضهم الذى يسبب لهم ارتعاشات لا تتوقف بأطرافهم، ولكنها تمتد إلى نقص العلاج الذى من المفترض أن يعالج حالاتهم.
بهدوء تام ووجوه أتعبها الإعياء، وأصوات منعدمة، وأيادٍ تتحرك بشكل لا إرادى، وأرجل ترتعش، يجلسون فى انتظار دورهم للعلاج.
«بسيونى»: بسبب ارتفاع سعر المواد الخام.. و«بدر»: «الشريط اللى بـ21 جنيه بقى بـ80 فى السوق السودا ومش موجود»
«أمى لو مشيت على علاج التأمين هتموت لأن جسمها مش قابله والحالة بتسوء لما بتاخده».. بهذه الكلمات بدأ إبراهيم شلتوت، ٣٣ سنة، من محافظة كفر الشيخ حديثه حول معاناة والدته، بسبب نقص أدوية الشلل الرعاش، يقول: «والدتى عندها شلل رعاش فى جنبها اليمين، البداية كانت من حوالى ١٠ سنين لاحظنا عليها رعشة خفيفة فى دراعها اليمين، طبعاً جرينا على الدكتور وتحديداً كان دكتور مخ وأعصاب وكان التشخيص الأولى حالة شلل رعاش فى مرحلة مبكرة، كتب لها علاج، وللأسف الحالة كانت بتتدهور والرعشة بتزيد، فغيرنا الدكتور اللى بدوره زود الجرعة».
ويضيف ابن إحدى الحالات المصابة بالشلل الرعاش: «مشكلة نقص العلاج دى ظهرت من سنة تقريباً، كنا الأول بنجيب ليفوكار، وبعد ما نقص بقينا نجيب سينيمت وشاتو، وللأسف كل دول اختفوا تماماً ملهمش أثر فى الصيدليات، فطبعاً من غير تفكير أو حتى تردد قررنا نعمل علاج على نفقة الدولة، قلنا يمكن نلاقى العلاج موجود فى التأمين، لكن للأسف بردو كانوا بيكتبوا روشتة نجيبها من الصيدليات اللى بره، أو يكتبوا لنا بدائل للدوا، كانت بتاخدها من هنا والحالة تزيد من هنا، ودلوقتى وبسبب نقص العلاج الوضع بقى أسوأ».
بصوت متقطع ملىء بالحزن، بدأ بدر إبراهيم (٧٧ سنة)، من إمبابة، حديثه قائلاً: «ببكى لما أبقى عطشان ومش قادر أمسك الكوباية.. أنا عايز أتعالج يحجزونى هنا يومين تلاتة يظبطوا لى الجرعة، أنا تعبت وبقالى سنتين بتعالج وكل فترة يقولوا لى هتتحسن ومفيش تحسن ولا أى حاجة وبتعب أكتر، والعلاج غالى، أيام ما كان موجود كنت بجيبه من الصيدليات، ولما نقص بقيت أجيبه من السوق السودا، الشريط بدل ماهو بـ٢١ جنيه بجيبه بـ٨٠ جنيه، ودلوقتى اختفى تماماً».
ويضيف: «إحنا محدش بيسأل فينا، ولا مرة حد اتكلم عن مشاكلنا، أنا بموت فى اليوم ألف مرة، باجى كل أسبوع، بشوف العذاب وأنا جاى فى المواصلات وأصعب حاجة لما بحاول أدفع الأجرة فى العربية، وما بعرفش حتى أحط إيدى فى جيبى، والعلاج مبيجبش نتيجة وياريت حتى لاقيينه، بقالى شهرين دايخ على علبة واحدة حتى ومش لاقى، ومليش حد حتى بره مصر يجيب لى علبة أو اتنين، وابنى من كتر المصاريف قال لى الفلوس دى حرام تترمى فى الأرض عيالى أولى بيهم منك، مهو بردو عنده حق يقول لى كده».
«حسن»: «الناس بطلت تطلبنى فى أى شغل بعد ما تعبت ونفسى ألاقى علاج».. وصيدلى: نقص الأدوية يعزز رغبة المرضى فى الموت
وتقول منى على (٤٤ سنة)، من حلوان: «أنا جاية أكشف حركات لا إرادية، ودى أول مرة ليا آجى قصر العينى، لأنى قبل كده كنت متابعة مع كذا دكتور، فى البداية الأعراض كانت فى إيدى اليمين ورُحت مستشفى خاص كتبوا لى علاج ومكانش فيه نتيجة لأنه كان مسكن مؤقت، يعنى لما باخده الرعشة تهدى ساعة بالكتير وترجع تانى أكتر من الأول، ومع الوقت الرعشة انتقلت من اليمين للشمال»، وتضيف: «العلاج غالى ومش موجود كمان وكل ما العلاج ينقص، بنغير الدكتور علشان يغير العلاج، ويكتب بديل، وطبعاً البديل غير فعال، وياريته كمان بقى موجود، أنا أوقات باخد ربع حباية علشان أوفر رغم إن الدكتور قالى خدى حباية كاملة، لكن أنا هعمل إيه ما أنا شايفة إن فيه أزمة دلوقتى فى الدواء ده».
«ارحمنى يا رب خدنى وريحنى».. يقولها حسن على، من أهالى بولاق، عمره ٥٣ سنة، وهو يجلس أمام العيادة، يعمل «حسن» بالمحارة، يتحدث عن بداية معرفته بطبيعة مرضه: «لاحظت إن فيه رعشة فى إيدى من سنة تقريباً، فى الأول ما أخدتش فى بالى وقلت عادى يمكن رطوبة، ما أنا طول اليوم فى المونة، لكن الموضوع زاد لدرجة إنى بقيت مبعرفش أمسك أى حاجة بإيدى، وطبعاً أنا شغال باليومية وأصحاب الشغل لما لاقونى كده بطلوا يقولوا لى تعالى فيه شغل، فبقيت أشتغل يوم وأقعد قصاده شهر كامل، رحت لدكتور فى المنطقة، لكن الفلوس كانت كتيرة وأنا مش معايا فلوس أكشف كل أسبوع وأجيب علاج، ففيه ولاد حلال قالوا لى آجى قصر العينى، مرة أدفع ومرة لا، ومن وقتها وأنا هنا من حوالى 4 شهور، مشكلتنا إن مافيش علاج لينا دايمًا ناقص من السوق، وأنا تعبت وبتمنى الموت علشان أرتاح من ألمى».
ويقول عبدالستار شتا، صاحب صيدليات بمنطقة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ: «الأزمة بقالها أكتر من خمسة شهور، وكل شركات الأدوية فعلاً عندها نقص فى أدوية الشلل الرعاش، وأهمها بالترتيب ليفوكار، وسينيمت، والشاتو، بالنسبة للأنواع الثلاثة دى، مش موجودة أصلاً فى أى مخزن تابع للشركات، فيه شركات كتير امتنعت عن إنتاجه وده بسبب ارتفاع سعر المواد الخام الداخلة فى تركيبها، وياريت يتم تحريك الأسعار شوية، علشان الشركات تقدر تحقق الربح المطلوب، وتنتج الأدوية دى تانى، لأن أدوية الرعاش مش مربحة بالنسبة للشركات فى الوقت الحالى، وطبعاً لازم يكون فيه رقابة على خطوط إنتاج الشركات»، ويتابع: «مفيش شك إن أدوية الشلل الرعاش ليها أهمية بنفس أهمية أدوية الضغط والسكر يمكن أكتر لزيادة الحالات المصابة به».
ويوضح أحمد البسيونى، صيدلى (٢٤ سنة)، ويعمل فى المحلة الكبرى: «مرض الشلل الرعاش من الأمراض التى انتشرت فى الآونة الأخيرة، والمرض ده بيكون نتيجة حدوث خلل التوازن بين وظائف الخلايا العصبية فى بعض مراكز المخ، كالتوازن بين هرمونى الدوبامين والأسيتيل كولين فى مراكز التوازن لحركات الجسم اللاإرادية كحركات الأطراف، يؤثر على أنشطة المرضى اليومية، ويصعب عليهم الحركة، وعدم القدرة على السير أو الجلوس أو النهوض دون مساعدة الآخرين، وهو ما يفسره علماء الطب بموت جزء من الخلايا العصبية المسئولة عن إنتاج الدوبامين الذى يساعد على أن تكون الحركة عادية ولكن دون تفسير سبب موت هذه الخلايا وكل الأدوية دى دورها بس علاج أعراض ولا يوجد دواء لإيقاف موت الخلايا العصبية».
ويضيف «البسيونى»: «تأثير نقص الأدوية على النوعية دى من الأمراض بيكون ليه آثار سلبية وأهمها إن المريض نفسه بيكون عنده رغبة فى الموت، لأنه بيكون جزء من جسمه عنده شلل وباقى جسمه طبيعى، ونقص العلاج بيزيد من آلامهم، وللأسف سبب نقص الأدوية هو تلاعب الشركات وعدم الرقابة، نتمنى فى الفترة الجاية الأمور ترجع تانى لطبيعتها لأن الناس دى فعلاً حالتهم صعبة وبتتعذب».