اللواء أ. ح متقاعد مصطفى كامل محمد يكتب: «شرق بورسعيد» والأمن القومى
اللواء أ. ح متقاعد مصطفى كامل محمد
يُعتبر مشروع شرق بورسعيد أحد أهم الموضوعات المطروحة عـلى ساحة الفكر على المستوى المحلى والإقليمى والدولى، وترجع أهميته إلى الدور الذى يمكن أن يلعبه فى حركية التجارة العالمية، والمشاركة فى تطوير استراتيجية النقل البحرى وفقاً لاتجاهات تطويره الحتمية، إذ يشير الواقع إلى أن اتجاهات التطوير ستتركز فى اتجاهين رئيسيين، الأول هو التوسع فى إنشاء ناقلات الحاويات العملاقة التى تصل قدرتها الاستيعابية إلى أكثر من عشرين ألف حاوية مكافئة، والتى يمكن لها أن تحقق أعلى قدر من عوائد النقل البحرى، أما الاتجاه الثانى فهو الاعتماد عـلى الموانى المحورية، حيث يُعتبر ميناء شرق بورسعيد أحد الموانى المحورية الرئيسية فى خط سير الملاحة العالمية.
أما على المستوى المحلى فتتعاظم أهميته فى كونه أحد الروافد الرئيسية لإحداث التنمية الشاملة للدولة بالتكامل والاتساق مع المشروعات العملاقة الأخرى، خاصة ذلك الذى يتعلق بتنمية الأرض المقدسة (سيناء) باعتبارهما من أهم المرتكزات الأساسية لصيانة الأمن القومى المصرى إذ يُعتبر أحد المكونات الرئيسية لتنمية وإعمار سيناء المقدسة التى تُعتبر الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى لمصر، ويقع المشروع عـلى قرابة مساحة 125كيلومتراً مربعاً شرق قناة السويس وشرق مدينة بورفؤاد، وينقسم المشروع إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأول هو الميناء المحورى، نحو 35 كيلومتراً مربعاً، ويتكون من ثلاث مراحل، والقسم الثانى هو الظهير البرى بمساحة 90 كيلومتراً مربعاً تقريباً (المنطقة الصناعية، المنطقة الإدارية، المنطقة السياحية)، أما القسم الثالث والأخير، فهو المنطقة الزراعية على مساحة 50 ألف فدان، وبالرغم من صغر مساحة المشروع، بل وصغر مساحة بورسعيد نفسها، التى تبلغ 1350 كيلومتراً مربعاً، فإن أهميته وحيويته قد نبعت من الحاجة الاستراتيجية الملحة التى فرضتها ظروف هذا الاتجاه وطبيعة محافظة بورسعيد حتى تستكمل التحول الاقتصادى والاجتماعى الجاد والهادف الذى بدأته والذى تبوأت بسببه المرتبة الأولى فى التنمية البشرية على جميع محافظات مصر على مدى تسع سنوات متتالية (1999- 2008) وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للإنماء UNDP، ويشير الواقع إلى تمام الانتهاء من المرحلة الأولى من مراحل إنشاء الميناء المحورى وهى الأصعب، حيث تم شق القناة الملاحية بطول 13 كم وبعـمق يصل إلى 17٫5م، ودائرة الدوران بقطر 31٫3 كم والتى تسمح بعودة حاملة الحاويات من نفس اتجاه قدومها، كما تم إنشاء حاجز الأمواج وبرج الإرشاد، ورصيف التراكى بطول 1٫2كم، ومحطة تداول الحاويات وتزويدها بأوناش الساحة والأوناش العملاقة، والمركبات والمعدات التى تسمح بالتدوال فى المحطة وفقاً للمعايير والمعدلات العالمية، وتم التشغيل التجريبى للمحطة فى أكتوبر 2004 وافتتاحها رسمياً فى ديسمبر 2004، فقد تم إنشاء المحور الشريانى بطول نحو 10 كم، والطريق الفرعى بطول 8٫5 كم، كما تم إنشاء خط السكة الحديد بطول الميناء وربط جميع أنحائه بالخط، كما تم تزويد الميناء بمحطة تحلية المياه، ومحطة معالجة الصرف الصحى ومحطة الجهد المتوسط وكذا برج الاتصالات.
وقد تم طرح المرحلة الثانية للتنفيذ، وهى تتضمن إنشاء الرصيف الثانى ومحطة الحاويات الثانية ليصبح طول الرصيف 2٫7 كم ليعد أطول رصيف فى العالم ويصبح إجمالى مساحة محطة تداول الحاويات مليوناً و350 ألف متر مربع، وقد انتهت دراسات أُعدت بواسطة منظمة الجايكا اليابانية وبيت الخبرة الألمانى ISL إلى إبراز مدى الأهمية المطلقة لميناء شرق بورسعـيد لحركية التجارة العالمية، إذ أظهرت هاتان الدراستان أن طاقة التداول سوف تصل إلى 11 مليون حاوية مكافئة فى عام 2015 (وهو ما تم التوصل إليه فى المخطط الاستراتيجى لبورسعيد 2000- 2022)، وبذلك يكون الميناء المحورى بشرق بورسعيد بمفهومه ومكوناته قادراً على استيعاب ورسوّ السفن العملاقة من الأجيال الخامس حتى السابع، وتكون أيضاً قناته الملاحية قادرة على استيعاب ومرور السفن فى اتجاهين فى وقت واحد ذهاباً وعودة بفضل دائرة الدوران، وهو ما يتسق مع اقتصادات النقل البحرى وفقاً لاتجاهات تطويره المستقبلية.
أستاذ العلوم السياسية ومحافظ بورسعيد الأسبق