في بيوت الله| مسجد "قوصون" .. تحفة الأمير المملوك من بلاد البخاري
مسجد قوصون
في باحة القصر يجلس الفتى ذو الثمانية عشر عاما، وسط أمتعة الأميرة خوند، ابنة السلطان محمد أزبك، بعد أن تزوجت من السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وأتت وسط وفدا من بلاد بركد، حين جذبت ملامحه المنمقة سلطانه الجديد الذي اشتراه بعدما دله عليه أحد حراس الإسطبل السلطاني، فأصبح من مماليكه سنة 720هـ - 1320م، أحبه قلاوون وجعله قائدًا على مائة من الجنود، ثم تدرج بأعلى المناصب في القصر السلطاني، ثم زوجه السلطان ابنته وعزز مركزه، فأحضر أخوته وأقاربه، من بلاد البخاري.
أوصى قلاوون الأمير قوصون على أولاده، وبعد موت سلطان كان ابنه "كجك" في الخامسة من عمره، ليتولى قوصون أمر الدولة وبدأ بقرار عمارة مسجد الأمير في 730هـ، في ساحة عرفت بدار الأمير جمـال الدين قتـال السبع الموصلي، وتم بناؤه في 21 رمضان من العام نفسه، ليعرف بين أهالي القلعة وشارع محمد علي بـ"جامع قيسون".
مبنى حجري يتكون من 4 إيونات يتوسطها صحن بقبة من الخشب المنقوش كما يعلو المحراب قبة، فهو مزخرف بالبوية الملونة وبجواره منبر من الخشب المجمع بأشكال هندسية، لم يبقى منها سوى مسجد له بابان أحدهما الباب البحري، وهو مع ضخامته تملؤه البساطة، وتجاوره بقايا الزخارف والشبابيك يطل على شارع القلعة أو محمد علي سابقا، والآخر على حارة خليفة تعرف باسم عاطفة المحكمة، يعبره المصلون إلى منازلهم بحواري منطقة باب الخلق، وأعتابه مكسوة بالرخام ومكتوب عليه :"أمر بإنشاء هذا المسجد المبارك بكرم الله تعالى العبد الفقير إلى الله تعالى قوصون الساقي الملكي الناصري في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أعز الله أنصاره".
في الجمعة الحادية عشر من رمضان 730 هـ، نودي للصلاة في منارتي المسجد الكبيرتين، وخطب قاضي القضاة جلال الدين القزويني بحضور السلطان، وذكر المؤرخ المقريزي، أن معماري فراسي من مدينة تبريز بنى تصميم المئذنة مثل مئذنة مسجد وجامعة بمدينة تورينز من بلاد فارس، شيدها خواجا على شاه وزير السلطان أبي سعيد، سقطت أحدهما بعدما قصف الفرنسيون القاهرة في عام 1801م.
اندثرت بقايا المنارة مع توسعة شارع محمد علي 1873، حيث قامت وزارة الأوقاف بإعادة عمارته عام 1893 تحت إشراف علي باشا مبارك، كما تبقى من المسجد المشغولات الخزفية الي كانت تضيء بها المسجد، فيحتفظ المتحف الإسلامي بتنور من النحاس الأصفر المخرم، ومكون من شكل متعدد الأضلاع تبلغ 12 ضلعا، و4 طبقات تحمل صفوف من الشموع، استغرق صنعه 14 يوما.
5 عمال، وإمام المسجد، ومقيم شعائره، يعملون على خدمة المصلين من أهل الشارع ومنطقة القلعة، الذين انقطعوا عن اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان، بعد ما شهدته البلاد من توترات سياسية، "الجامع خيره قل" يصف أحمد متولي مقيم شعائر المسجد، حال المسجد في السنوات الأخيرة بعد أن قلت موائد الرحمن أو تبرعات أهل المنطقة، مضيفا أن المسجد أقل شهرة بالنسبة للمساجد الكبيرة الأخرى التي خدم بها مثل مسجد الحسين أو الأزهر سابقا، فلا يعرفه سوى أهل الشارع والحارات المجاورة.