الكليم العدوى.. إبداع الفقراء يساعدهم فى تحدى الظروف الصعبة
جهود أهلية لمنع اندثار صناعة الكليم
تُعرف منازلهم من وسط القرية، من مشهد رأسى على قرى بنى عدى، تفرقهم من بين الجميع، منازل ما زالت على هيئتها القديمة، طوب لبن، ومسقوفة بالجريد والخوص، وسط بنايات رُفعت بالأعمدة، وبالداخل أغطية بالية، لا يميزها سوى ألوانها الزاهية، وفى أحد الجدران ينصب «النول»، مفرودة عليه الخيوط العريضة، وجزء لم يكتمل من قطعة فنية غاية فى الجمال، تلك هى حال صناع الكليم العدوى، أو الأسيوطى كما يعرف خارج المحافظة، صنعة امتهنها أهل قرية بنى عدى من قديم الأزل، وبدأت بالزوال رويداً رويداً.
داخل أحد تلك البيوت الفقيرة كانت تجلس السيدة زينب سالم، السبعينية التى تعلمت العمل على النول لصناعة الكليم منذ كان عمرها 14 عاماً، ويستغرق الكليم الواحد بين يديها من 4 إلى 5 ساعات، حسب حرارة الجو، فكلما كان الجو بارداً تستمر فى العمل لساعات أطول.
«زينب»: بنعمل لنا 3 أو 4 كليمات فى الشهر وبيطلّعوا أجرة حوالى 150 جنيه ندخل بيها جمعية عشان جهاز البنت.. و«محمد»:90٪ من منازل المدينة كانت تعمل بالصناعة
تحصل «زينب» وابنتها على 30 جنيهاً عن كل مفرش تقوم بإنتاجه، حيث يدعمها التاجر بالصوف والخيوط والعدة كاملة، وهى تنسج تلك الخيوط على النول، لتخرج بالكليم، وتحصل على أجرتها، وتقول إن البيوت التى تواظب على صناعة الكليم لا تتجاوز 10، وذلك لأن المهنة صعبة وشاقة والفتيات يُقلعن عنها.
«زينب» تجمع ما تجنيه من صناعة الكليم لتشترى جهاز ابنتها «منى»: «أنا وبنتى نعمل لنا 3 أو 4 كليمات فى الشهر يعنى يطلعوا أجرة 120 ولا 150 جنيه، ندخل بيها جمعية عشان جهاز البنت»، فوالدها يكاد أن يكفى قوت المنزل من الفلاحة، ولا يقدر على جهاز البنت فى هذا الغلاء.
وتقارن «منى» ووالدتها بين العمل على النول حالياً وقديماً، حيث كانت تعمل «زينب» وفتيات القرية على النول، وكانت الحياة حينئذ أرخص: «أنا اتجوزت وجوزت بناتى كلهم من النول»، ولكن الآن حين تطلب من التاجر زيادة الأجر يقول لها: «مش جايب همه يا بنتى يا دوب على القد».
محمد سلام، من أهالى قرية بنى عدى، يقول إن مهنة صناعة الكليم تضرب فى جذور تاريخ القرية، التى نسبت لقبائل سعودية جاءت لمصر، وسبق لها أن شاركت فى مقاومة المحتل، ولكن كان الكليم بالنسبة لأهلها أشبه بالقطن للفلاحين فى مصر قديماً: «كان مشغل البلد كلها»، فكان أكثر من 90% من منازل المدينة تعمل فى غزل ونول الكليم.
عملية إنتاج الكليم تمر بمراحل متعددة تبدأ بالفلاح، الذى يبيع الصوف للتاجر، والتاجر بدوره يعطى الصوف للسيدات فى المنازل، وساعة العصارى بعد انتهاء العمل فى الحقول تجد الرجال والنساء فى المنازل والغيطان يمسكون بكور الصوف تربط خيوطها بطريقة معينة ويعزل كل لون عن الآخر، ويحصل كل منهم على أجر من تلك المرحلة من التاجر، ثم تأتى المرحلة الثانية بنقل كرات الصوف عبر التاجر، وتبدأ السيدات فى المنازل فى صناعة الكليم على النول القديم الكبير، على أن ينتج المنزل الواحد «فرش» أو «فرشين» فى اليوم الواحد من الكليم حسب عدد النساء داخل كل منزل، وهنا يصبح هناك مصدران للدخل، سواء للسيدات أو للرجال.
وفى الثمانينات، بدأت عملية التصدير للخارج، حيث كان التجار فى القرية يتعاقدون على شحنات الكليم لإيطاليا وفرنسا، حيث يعتبر فى الخارج نوعاً من التراث، ويقتنيه الأوروبيون فى منازلهم كتحفة فنية، ولكن انتشار مصانع السجاد والصناعة الغزلية الحديثة قضى على تلك الصناعة التراثية فى أسيوط، وأصبح من يعملون بها فقط فقراء القرية، وهى منازل معدودة، حسب «سلام»، بعد أن كان أثرياء المحافظة قديماً هم من يفرشون الكليم ويعملون فى صناعته.
وقبل سنوات قررت جمعية تنمية المجتمع ببنى عدى مساعدة البيوت الفقيرة بالقرية فى الاستمرار فى إنتاج الكليم الأسيوطى حتى لا تندثر تلك الصناعة، فتمد تلك المنازل بالصوف والخيوط والأنوال المتقدمة نسبياً عن الأنوال القديمة، ولكنهم لا يزالون يعانون من عدم وجود تسويق لإنتاج القرية من الكليم.
أحمد على، مدير الجمعية، يقول إن الجمعية عملت منذ عام 2009 على العديد من المشروعات القائمة على تدريب السيدات على الأنوال الجديدة والمتطورة، وإعطائهن كل الخامات والأصواف والأنوال: «غيّرنا بعض الخامات وأدخلنا الكتان على الكليم، بجانب تطوير المنتجات نفسها، مثل إنتاج بعض احتياجات السيارات والمشغولات الخفيفة للمنازل، ووصلنا للمستهدف من تطوير وتدريب سيدات 300 منزل بالقرية للعمل بالكليم بالطرق الحديثة».
فريق الجمعية، بحسب «على»، يسعى خلال الفترة المقبلة لتسويق إنتاج المنازل المدربة من خلال موقع إلكترونى لعرض الكليم العدوى، بالإضافة لمحاولة المشاركة فى معارض بالمنتجات الحديثة الخاصة بالسيارات، فى ظل إشراك بعض خريجات الجامعات من أهل القرية فى مشروع تطوير الكليم العدوى.
سيدة تصنع الكليم