الشيخ هاشم هيبة.. وزير المساحة القرآنية بدرجة "300 أوكتاف"
الشيخ هاشم هيبة
أقام دولة التلاوة المصرية عدد من عمالقة القراء، الذين لم يَجُد الزمانُ بمثلهم، ويعد الشيخ هاشم محمد هيبة من أهمّهم، بل لا يختلف اثنان على اعتبار صوته جميلا عريضا تبلغ مساحته 300 أوكتاف (درجة من درجات السلم الموسيقي).
مكّنه صوته العريض من حُسن التصرف في التلاوة، حيث أصبح بحق، وزير المساحة القرآنية في دولتها، إضافة إلى تمكُّنِهِ الشديد من أحكامها، ومن مخارج الحروف، وكان صاحب بصمة متميزة للغاية، قارئا تقيا ورعا، شديد الاعتداد بكرامة أهل القرآن.
فى نوفمبر 1917، ولد الشيخ هاشم في قرية برقطا، بمركز كفر شكر بالقليوبية، حيث حفظ القرآن الكريم بكُتَّاب القرية قبل أن يأتي للقاهرة ويلتحق بالأزهر لدراسة أحكام التلاوة والتجويد، ليتتلمذ على يد الشيخ عامر عثمان، وختم المصحف كاملاً بالقراءات السبع "الشاطبية" ثم اختتمه بالقراءات العشر.
ومما يدل على رِفعة شأن الشيخ وعُلوّ قدره، أنه حينما بدأ مسيرته في الأربعينات، كان يقرأ في مسجد فاضل باشا، بالتناوب مع الشيخ محمد رفعت.
اعتمدته الإذاعة المصرية قارئا، في عام 1952، حيث أجازته لجنة الاختبار، برئاسة الشيخ الضباع، شيخ المقارئ والقراء، ثم انتقل ليقرأ القرآن في العديد من المساجد، أهمها "صلاح الدين" بحي المنيل بالقاهرة، خلفاً للشيخ محمود عبد الحكم، وظل به حتى رحيله عن عالمنا.
لم يُهمل الشيخ الجانب الموسيقى، فخلال مسيرته القرآنية الحافلة، حرص على دراسة الموسيقى سماعيا، وكذلك بـ"القسم الحر" في معهد الموسيقى العربية، وحرصت وزارة الأوقاف على إيفاد الشيخ هاشم هيبة إلى كثير من الدول العربية والإسلامية، ومختلف البلدان الأوروبية والأجنبية، لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك، حيث سافر إلى "باكستان وإندونيسيا وتركيا والهند والمغرب والجزائر وباريس وماليزيا" التي اُختير فيها رئيسا للجنة تحفيظ القرآن الكريم أثناء زيارته لها.
كان الشيخ هاشم قارئا للإذاعات الطويلة بالإذاعة المصرية وبالتليفزيون، لكنه، مع الأسف، كان يعاني التجاهل في حياته وخاصة فيما يتعلق بالتسجيلات الخارجية، فقد لقّبه عدد كثير من السمّيعة والمحبّين بـ"قارئ الربع ساعة"، واستمر ذلك حتى بعد وفاته، حيث لم نسمع للشيخ هاشم أي تسجيل خارجي، وهو أمر محزن جدا ومؤسف.
ومع كل ما ذكر، فإن الشيخ هاشم دخل دولة التلاوة وخرج منها راضيا مرضيا، حيث أُتيح له تسجيل القرآن الكريم كاملاً مرتّلا ومجودا في موسم الحج عام 1397هـ، حيث سجّله مرّتلاً في الحرم المكى، ثم مجودا في الحرم النبوي الشريف.
عاش الشيخ هاشم 66 عاما، قضى معظمها في خدمة كتاب الله، حتى أسلم الروح إلى بارئها في نهاية شهر يناير 1985.