كان قسم الولاية الثانية للرئيس بداية عهد جديد يبدو أن السيسى يحمل فيه مفاجآت سارة لم يعلن عنها وإن نوه عنها بقوله أروع أيام الوطن ستأتى قريباً، رغم أن الخطاب جاء مختصراً جداً رغم توقع العديد مزيداً من تفاصيل خطة الولاية الثانية للرئيس، بعد أن ظهر جلياً تفاصيل خطة الولاية الأولى، وأصبحت رؤية عين أمام الناظرين فى كل أنحاء مصر، وهكذا شدد السيسى على أن الأزهر والكنيسة زينة الوسطية والسماحة لهذا الوطن، وأن هذا هو منهج مكافحة فكر الإرهاب وأشاد بالمرأة لأنها صانعة الرجال ومربية الأجيال.
واختار السيسى عناوين رئيسية مهمة لبرنامجه فى الولاية الثانية، كان أهمها الصحة والتعليم والثقافة، وهى أركان القوة الناعمة لمصر، وإن كانت ظاهرة محمد صلاح قد فرضت الرياضة ركناً ركيناً فى هذه المنظومة تحتاج من الدولة استراتيجية طويلة المدى، تعود فيها مراكز ألعاب القوى فى استادات المحافظات التى أنشأها د. عبدالأحد جمال الدين لتفريخ نجوم الرياضات الأولمبية التى هى عنوان تقدم الأمم.
ولعل برنامج التعليم يفسر لماذا اجتمع السيسى مع وزير التعليم العالى ٥ مرات فى شهر واحد، ويؤكد فى كل اجتماع ضرورة الشراكة مع الجامعات الأجنبية ومراكز التقدم العلمى الدولية فى إنشاء أى جامعة جديدة.
وتبقى خطة وزير التعليم المثيرة للجدل، وليت الرجل لم يصرح أن هدف خطة التطوير هو توفير ٣ مليارات جنيه! ثمن تكلفة طباعة الكتب، ولو سأل زميله اللواء أبوبكر الجندى أو وزير النقل عن تكاليف رصف الطرق فى مصر لفوجئ أنها ثلاثة أمثال هذا الرقم، فالأمر لا يحتاج هذه الضجة، والحقيقة أن ملف التعليم يحتاج من الرئيس الاستماع لآراء خبراء متنوعى الخبرة فى العملية التعليمية فى مصر، وليس نقل مسطرة من تجارب أجنبية تبدو نظرياً ممتازة وعملياً قد لا تنجح مع الظروف المصرية.
أما عن الصحة فمشروع التأمين الصحى سيكون هدية السيسى للشعب، متمنياً ألا تقع الحكومة فى فخ الإنفاق على المبانى، فوزارة الصحة مليئة بالمبانى المهملة وغير المستغلة وليس الرخام والزجاج الفاميه هو نجاح للعلاج، وإنما الطبيب والمعدات والأدوية هى التى تنجح العلاج، لأن الأرقام الخيالية التى تتناثر حول ٦٠٠ مليار جنيه مطلوبة تحتاج مراجعة عميقة ومعالجة جذرية.
وأما الثقافة فلتعرض صناعة السينما ومسرح التليفزيون وقصور الثقافة والمكتبات العامة سؤالاً إجبارياً فى كل امتحانات كافة المراحل عن قضية رأى أو قصة أو فيلم اطلع عليه الطالب ليعلم أن الثقافة قبل التعليم أحياناً.
وأما السياسة فقد وضع الرئيس محدداً واضحاً حتى لا ترهق الأجهزة المعنية نفسها فى اختراعات لا علاقة لها بالسياسة، وهو شرط وحيد ألا يكون الحزب إرهابياً أو متطرفاً، وبعدها بنص قول الرئيس المساحة المشتركة تتسع للجميع، كل المطلوب أن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب ولا تقيد حركتها المتروكة ولا تمويلها المشروع وتعود موازنة الدولة لدعم الأحزاب والسماح بأنشطة اجتماعية للأحزاب على النموذج الألمانى، الذى يسمح لكل حزب بإنشاء جمعية أو مؤسسة تنموية مثل مؤسسة فريدريش ايبرت التى تعمل فى مصر.
وختاماً: إن الثلاثية التى أعلنها السيسى عنواناً لمرحلة رئاسية جديدة قد لاقت ارتياحاً كثيراً فى الأوساط السياسية والشعبية بعد المشوار الصعب الذى خاضته مصر مع الولاية الأولى بحجم مشروعاتها العملاقة واقتصادها المعاد هيكلته بما يشبه هدم نظام قديم وبناء نظام بديل يساير آليات العصر ويحرر الدولة من قيود تعيق تقدمها، وبقى على الشعب أن يتحمل مراحلها الأخيرة لتنطلق مصر لمكانتها التى تنتظرها عربياً وأفريقياً ودولياً.