ساحة «القنائى»: الإفطار للفقراء والأغنياء.. «مدد يا قناوى»
مائدة الإفطار تجمع العشرات فى ساحة المسجد
قبل لحظات من أذان المغرب، تدب الحركة فى ساحة القطب الصوفى السيد عبدالرحيم القنائى، بمدينة قنا، الجميع يعرفون أدوارهم، ويقومون بها دون توجيه من أحد، يسابقون الزمن لتكون مائدة الإفطار جاهزة وعامرة بكل المشروبات والمأكولات، تمتد المائدة لعشرات الأمتار فى باحة واسعة، تحيطها الكراسى من كل الجوانب، الكل يتمتم ويردد الصلاة على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آل بيته والتابعين.
ممسكاً فى يده اليمنى إناءً بلاستيكياً لونه أزرق ويده اليسرى تحمل أكواباً بيضاء، وقف طه الشريف، أحد المتطوعين للعمل بالمائدة، يناول الصائمين أكواب العصير والماء البارد، حتى التكبيرة الأولى من الأذان لمساعدة ضيوف الرحمن على رى عطشهم، وعلى الجانب الآخر من المائدة، يسرع رمضان الشريف، حاملاً صينيتين كبيرتين عليهما أطباق مملوءة بالأطعمة، ويقوم أحد المتطوعين للساحة برصها على المائدة.
20 متطوعاً لخدمة الصائمين.. ومسئول: أنشئت منذ 25 عاماً لخدمة الأحباب
فى محيط المسجد والساحة، افترشت السيدات وأبناؤهن الحُصر البلاستيك على الأرض، مريدات القطب الصوفى «القنائى» جئن للتبرك بزيارة المقام، وساعدن فى استقدام إفطارهن من مطبخ الساحة حتى اكتملت مأدبتهن بطبق الحلو، وفى توقيت واحد ينطلق الأذان من مسجد «القنائى» ومسجد الصوفى الشيخ «عبدالله القرشى»، ومع التكبيرة الأولى يبدأ الصائمون فى تناول البلح وشرب الماء والعصائر ثم يتبعونها بالطعام، فيما اكتفى الخادمون الصوفيون بشربة ماء، وظلوا متأهبين لمساعدة أى صائم يطلب المزيد من الطعام، ووسط أصوات الملاعق المتخبطة، يهل على الساحة مجموعة من الصائمين تأخروا عن الإفطار، وسرعان ما هرول الخدام بطبق بلح رُطب حتى يفطروا تمهيداً لإعداد الطعام.
كامل عبدالحليم، من محافظة الأقصر، فنى يعمل بأحد مصانع المدينة الصناعية: «ليست المرة الأولى التى أتردد فيها على ساحة القنائى للإفطار فى شهر رمضان»، موضحاً أنها تضم خدمة جيدة فى تقديم الطعام للمترددين والصائمين من الغرباء من أبناء المحافظات الأخرى. وتابع: «تعد ساحة القنائى الساحة الأولى التى تقدم الإفطار طوال شهر رمضان، وتضم كل ما يريح النفس، الإفطار بجوار المقام له طقس خاص لا يحسه ولا يدركه إلا كل محب ومريد، ويكمله صلاة المغرب والعودة مرة أخرى لتناول الحلويات وشرب الشاى على أرضية باحة الإفطار».
«ملناش غير القناوى بعد ربنا عشان نروَّح عن نفسنا».. بهذه الكلمات عبًّر محمد عبدالعليم الذى يحرص كل عام فى شهر رمضان على زيارة المقام ليقضى يوماً كاملاً يبدأ بنزوله من القطار على محطة قنا ومعه أسرته المكونة من زوجته وطفلين، مقبلاً من محافظة أسيوط، ليلحق بصلاة الفجر ثم الجلوس بجوار المقام ويمسك المصحف لتلاوة القرآن حتى قرب المغرب، وأشار إلى أنه يخرج من المسجد قبل المغرب برفقة أسرته لتناول الإفطار فى الساحة التى اعتبرها ساحة كل أبناء الطرق الصوفية، كناية عن القطب الصوفى «القنائى».
الأشخاص يعملون متطوعين ويعدون قرابة 200 وجبة للصائمين
ويقول سيد السنبسى، الشهير باسم «سيد حِلل»، أحد المسئولين عن ساحة مسجد عبدالرحيم القنائى: «إن الساحة مفتوحة طوال العام وتقدم الطعام والشراب للمحبين والغرباء بشكل مستمر كل أربعاء وجمعة من كل أسبوع فى الأيام العادية، وفى شهر رمضان الإفطار والعصائر طوال الأيام المباركة». وأضاف: «خير ربنا كتير فى الساحة؛ أهل الخير موفرين كل شىء، وأنا أخدم فى الساحة منذ 15 سنة ولم أغب عنها يوماً ما، برفقة 20 شخصاً جميعهم متطوعون لا يتقاضون أجراً ويعدون وجبات لقرابة 200 صائم». وأشار إلى أنه يحرص فى رمضان على صلاة الظهر فى المسجد، يعقبها افتتاح الساحة لإعداد الطعام الذى عادة ما يكون لحوماً أو فراخاً، وتحضير نوعية الطبيخ وإعداد الخضراوات اللازمة للسلطة وجميعها يحضرها أهل الخير، إضافة إلى تقسيم الأدوار على الخادمين فى الساحة، منهم من يجلب العيش من المخبز وفريق يعد السلطة وفريق للطهى، وفريق للفرش وإعداد المائدة.
ولفت إلى أن المترددين على المائدة من أبناء الطرق الصوفية والغرباء من جميع المحافظات، كما أن هناك فقراء يترددون على الساحة للحصول على وجبات لحم وخضار وأرز وأكياس عصير بشكل يومى قبل الإفطار، موضحاً أن الساحة لا تغلق بابها فى وجه محتاج أو غير محتاج، وبعد الإفطار وصلاة المغرب، يتجمع الأحباب حتى صلاة العشاء والتراويح وبعدها تقدم عصائر وحلوى مرة أخرى للضيوف.
منتصر القرعانى، مدير جمعية القنائى، أحد المسئولين عن الساحة، أوضح أن الساحة يدعمها أهل الخير من أبناء الطرق الصوفية وغير الطرق الصوفية، وأنها توزع السلع والملابس على الفقراء والمساكين، وتساهم فى سداد ديون الغارمات، وليست قاصرة على تقديم الأكل والشرب للمريدين والمحبين. وتابع أن الساحة تقيم يومياً حلقات «ورد» لأبناء الطرق وحلقات ذكر من القرآن الكريم والحديث، والإنشاد الدينى، كما يعقد مجلس مجمع النور للطرق الصوفية لجميع الطرق فى المحافظة يوم الأربعاء من كل أسبوع، منوهاً بأن ساحة القنائى تواصل نشاطها منذ قرابة 25 عاماً وبشكل سنوى منتظم.
أحد المتطوعين يناول الصائمين العصير