الشيخ محمد الليثى.. عملاق القرّاء
الشيخ محمد الليثى
فى قرية النخاس، التابعة لمحافظة الشرقية، ظهر نجم الشيخ محمد أبوالعلا الليثى، الذى وُلد عام 1952، وكان والده، محمد أبوالعلا محفّظ القرآن الوحيد فى القرية، فبدأت رحلة ابنه مع القرآن وهو ابن الثالثة، ومن العجيب أن يمنَّ الله عليه بحفظ القرآن كاملاً وهو ابن السادسة، وكأن القدر كان سريع الخُطى، حتى نحظى نحن بما تركه لنا الشيخ الليثى خلال عمره القصير من كنوز وتسجيلات لآيات الذكر الحكيم.
تعلَّم الشيخ الليثى من والده فنّ التلاوة، وتعلّم القراءات على أيدى كبار المقرئين، وحينما اكتملت له الأدوات وتهيأت له الأسباب انطلق يقرأ فى العديد من المناسبات داخل القرية، وهو ابن الخامسة عشرة، فذاع صيته فى القرى المجاورة، وبدأ يُعرف الشيخ محمد الليثى داخل محافظة الشرقية، وأبهر الناس بحلاوة صوته وطول نَفَسه آنذاك، بل أصابت الجميعَ حالةٌ من الدهشة بسبب ذلك الفتى الذى يستطيع أن يقلّد أعظم القراء جميعهم فى آية واحدة، فذاعت شُهرته عالمياً، وتخطى عدد جمهوره ومحبّيه جمهور أعظم القراء فى عصره.
وكان حريّاً بالإذاعة المصرية أن ينضم إليها هذا العَلَم الكبير، ففى عام 1984 دخل الشيخ «الليثى» الإذاعة، وعرفته مصر كلها بصوته المميز القوى، حتى لُقّب بـ«عملاق القراء»، وأصبح القارئ الأول فى محافظة الشرقية والمحافظات المجاورة، كما أحيا العديد من الحفلات على الهواء مباشرة، من أكبر مساجد مصر، كالحسين، والسيدة زينب، والنور بالعباسية، والإمام الشافعى، ولم تتوقف رحلة الشيخ الليثى عند هذا الحد، بل سافر إلى العديد من بلدان العالم، مثل إيران والهند وباكستان وجنوب أفريقيا وألمانيا وأمريكا.
كانت زيارته قبل الأخيرة إلى إيران عام 2000، وبعد أن رجع منها شعر بالمرض فبادر إلى أداء «العمرة»، وعندما رجع كانت فى انتظاره دعوة لقراءة القرآن الكريم فى عدة مدن لبنانية لمدة عشرة أيام، وخلال الزيارة اشتد عليه المرض، فقطع زيارته للبنان عائداً إلى مصر، ثم أجرى العديد من الفحوصات الطبية، كما أجرى العديد من العمليات الجراحية فى الحنجرة، لكن حالته الصحية ازدادت تدهوراً، وظل نحو ست سنوات ملازماً للفراش، وتوقف عن القراءة فى المناسبات، لكنه ظل صابراً محتسباً راضياً بقضاء ربه.
وعندما اشتد عليه المرض، وقبل وفاته بعشرين يوماً، طلب من ابنه «محمد» أن يصطحبه إلى المسجد الحسينى بالقاهرة، وعندما وصَلا أَمَّ الولدُ أباه فى الصلاة، ثم جلس الأب، وطلب من ابنه أن يقرأ سورة «يس»، وأثناء القراءة أخذ يتأمل (رحمه الله) جنبات المسجد الذى أسمعَ من خلاله العالمَ كله القرآن بصوته العذب الشجىّ، ثم بكى، وتوجّه إلى المحراب، ودعا ربه قائلاً: «اللهم اغفر لى، وأحسن خاتمتى»، ثم عاد الأب وابنه إلى القرية، وفى يوم الأحد 5 مارس 2006، فاضت الروح الزكية إلى بارئها، تاركاً تراثاً من التسجيلات والحفلات حازت رضا الجميع، بل زاد عدد جمهوره بشكل لا ينكره أحد، حتى بعد وفاته ممن لم يعاصروه.