مقام «سيدى شبل الأسود» فى بلد الـ«500 شهيد».. مدد يا أمير الجيش
بعض المترددين على مقام «سيدى شبل» يتبركون به
فى مركز الشهداء، الشهير ببلد الـ«500 شهيد» تنتشر مقامات أولياء الله الصالحين، ومنها، حسب بعض الروايات، جاءت تسمية المركز باسم واحد من هؤلاء، هو «سيدى شبل الأسود»، أهم مقام تتميز به مدينة الشهداء، حيث توارث الأهالى عن جدودهم ومشايخهم أن المدفون داخل المقام هو سيدنا محمد بن الفضل بن العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى جوار مقام «شبل الأسود» مجموعة أخرى من مقامات أولياء الله الصالحين، من مساعدى «سيدى شبل» الذين جاءوا معه إلى مصر واستقروا بهذا المكان، أما مسجد «شبل الأسود» بهيئته الحالية فقد قامت ببنائه وزارة الأوقاف فى القرن العشرين، ويشبه فى تخطيطه العام المساجد العثمانية.
«عبدالمنعم»: جدى وأبويا وابن عمى وابن أخويا اسمهم شبل.. ونعتبره نعمة من ربنا.. ولما بكون جنبه بحس بالراحة
داخل المسجد كان مريدو «الإمام» يجلسون فى أماكن متفرقة، منهم من وقف إلى جوار المقام يدعو الله بما فتح عليه فى حضرة ولى الله الصالح، ومنهم من اكتفى بقراءة الفاتحة والتبرك بعم الرسول، ومن بين الحاضرين كان هناك زائرتان، وقفت كل منهما تدعو بما جاش فى صدرها، بعدما أغمضتا أعينهما ودخلتا عالماً خاصاً ظهر أثره فى دموع على وجهيهما ثم مددتا أيديهما ببضعة جنيهات فى صندوق مجاور للمقام، قبل أن تهما بالانصراف، ورددت إحداهما الجملة الشهيرة التى يحرص زوار «شبل الأسود» على ترديدها وهى: «شىء لله يا أمير الجيش»، وكما يروى زائرو المقام، عن صاحب المقام أنه جاء إلى المنوفية قبل زمن طويل، ضمن من شاركوا فى معارك الفتح الإسلامى لمصر، فاستُشهد ودفن بهذه البقعة من الأرض.
وفى ساحة المسجد الخلفية المجاورة لغرفة المقامات، جلس السبعينى ممدوح أبوصقر، إخصائى اجتماعى بالمعاش، وإلى جواره زوجته وطفلته الصغيرة، وبينهم طعام يتناولونه فى حضرة «الإمام»، فى مشهد لم يكن الأول فى حياة «ممدوح»، المتيم بزيارات أولياء الله الصالحين، وعلى رأسهم مقام «سيدى شبل»، يأتى له من مركز أشمون، الذى يبعد عنه بعشرات الكيلومترات، وكانت أول زيارة له قبل 10 أعوام، عن طريق المصادفة، عندما جاء مع أحد أصدقائه من المحبين لأولياء الله الصالحين، حينها كان مولد «سيدى شبل»، وكان الحاضرون كثراً، ما أثار دهشة «ممدوح»: «سيدى شبل معروف جداً، وهو أقرب واحد لنسل الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل اللى موجودين هنا عشان كده هو مهم، ومن بعد الزيارة دى ارتبطت بالمقام هنا وبغيره من مقامات أولياء الله الصالحين وبقيت أحس فيهم بالراحة، وكنت باخد بنتى الصغيرة معايا فى زياراتى».
روحانيات تختلف عن غيرها تلك التى يشعر بها «ممدوح» عند زيارته لمقام من مقامات أولياء الله الصالحين، لا سيما لو كان من آل البيت، كما هو الحال مع «سيدى شبل»، حسب قوله، وكانت هذه الزيارة هى الأولى بعد عودته من رحلة عمرة، ما جعله يشعر هذه المرة بشعور مختلف: «أول ما دخلت المقام لقيت شريط الذكريات بتاع العمرة بينزل قدام عينى مرة تانية».
وإلى جوار الضريح كان يجلس عبدالمنعم شبل فاضل، دلت تجاعيد وجهه على عقود عمره الثمانية، قضاها جميعها إلا قليلاً فى رحاب «سيدى شبل الأسود»، حيث كان منزله الذى ولد به ملاصقاً للجدار الخلفى للمسجد، وهو البيت الذى تحول بعد ذلك إلى جزء من المسجد بعد توسيعه، وقتها كان شاباً يعمل فى المعمار، ولم يفته أعمال التوسيع دون أن يشارك بها، حسب قوله: «شلت الأضرحة اللى فى المسجد على كتفى ونقلتهم المقابر ولما خلصنا توسيع المسجد رجعتهم تانى فى أماكنهم».
تربّى «عبدالمنعم» فى قلب مقام «سيدى شبل»، حسب تعبيره، ما جعله محباً له لا يفارقه، خاصة بعدما أصبح وحيداً بعد وفاة زوجته، فيأتى إلى المسجد فى صلاة الفجر ثم ينصرف إلى بيته ليعود مرة أخرى قبيل صلاة الظهر فيمكث إلى جوار المقام إلى ما بعد العشاء ليعود مرة ثانية إلى البيت، ما جعله شاهداً على كل ما يدور داخل المقام من زيارات متكررة له طيلة العام، التى تتردد عليه من كافة أنحاء الجمهورية، حسب قوله، لا سيما فى أيام مولد «سيدى شبل» التى تبدأ فى 20 مارس من كل عام ولمدة أسبوع كامل.
يحكى «عبدالمنعم» عن بركات «سيدى شبل، التى يسمعها من زائريه، إنه يأتى إلى مريديه فى المنام عندما يكونون فى ضيق أو كرب، ويظهر لهم على حصان أسود وممسكاً فى يديه سيفه، فيسير ومن خلفه من ظهر له فى المنام حتى يخرج به إلى طريق السلام، وهو النداء الذى يلبيه المحبون بزيارة فى اليوم التالى للرؤية، حسب «عبدالمنعم».
كان اسم «شبل» متوارثاً ومتكرراً فى أسرة «عبدالمنعم»، فوالده يدعى شبل، وابن شقيقه يدعى شبل، وجده وابن عمه كان اسمهما أيضاً شبل، وهو نفسه كان له ولد سماه شبل، إلا أنه فارق الحياة، فالاسم موجود بكثرة بين أفراد عائلته، معللاً ذلك بقوله: «إحنا ربنا كرمنا بسيدى شبل هنا، ودى إحنا بنعتبرها نعمة من ربنا علينا، ولما بكون جنبه بحس بالراحة كلها».
ويقول نبيل شاهير، رئيس عمال مسجد سيدى شبل، إنه يوجد بالمسجد أيضاً مقامات للوزراء والمساعدين الذين جاءوا مع «سيدى شبل» إلى مصر، فى معارك الفتح الإسلامى، إضافة إلى مقام يضم 40 شهيداً آخر من أفراد جيشه، ليضيف قائلاً: «إحنا هنا زينا زى مقام السيدة زينب وسيدنا الحسين فى القاهرة، وبييجى ناس من كل مكان عشان تزور المقام وتتبارك بيه».
رغم أهمية مسجد سيدى شبل فى مركز الشهداء، فإنه لا يوجد اهتمام به، حسب ما يقول «نبيل»، فالمسجد يعانى منذ سنوات من أزمات متكررة، وصدر له أكثر من قرار للترميم والإزالة إلا أنها لم تنفذ: «السقف وقع علينا والبارومة كلت الحديد بتاعه وبرضه مفيش فايدة، ده غير إن دورة المية آيلة للسقوط وجايلها قرار إزالة من سنين وبرضه متعملش، ومفيش حد مهتم خالص، رغم إنه يعتبر تانى أهم مسجد فى المنوفية وطنطا بعد مسجد السيد البدوى».