شيخ الفواخرية فى «جريس»: مهنتنا طاهرة.. والعامل بها كالعابد فى صومعته
تشتهر «جريس» بمهنة صناعة الفخار التى يتوارثها سكان القرية
شوارع ضيقة تراصت أمام بيوتها الطينية تلك الأوانى والمنتجات الفخارية المختلفة، لتدل المار بينها على ماهية المنطقة التى يسير فيها، حيث منطقة الفواخير بقرية «جريس» التابعة لمركز أشمون، فيها عمل الجميع فى صناعة الفخار، المهنة التى توارثوها جيلاً بعد جيل حتى اشتهرت بها قريتهم بين جميع قرى محافظة المنوفية، وذاع صيتها خارج المحافظة أيضاً، ومن بين هؤلاء «الفواخرية» كان السبعينى فوزى غنيم، الذى لقبه أهل القرية بـ«شيخ الفواخرية»، لما له من عمر طويل قضاه فى هذه المهنة، التى شاء القدر أن يعمل بها قبل أن يولد، على حد تعبيره: «عمرى فى الدنيا 63 سنة، وعمرى فى الشغلانة دى 64 سنة، لأن أمى كانت بتشتغل فيها وهى حامل فيّا، وحتى يوم ما اتولدت كانت بتجيبنى تحطنى جنبها وهى شغالة مع والدى».
«مهنة طاهرة» هكذا سماها «فوزى»، فهى مهنة بدأت مع بداية الخليقة، ومن يعمل بها، من وجهة نظره، فهو كالعابد فى صومعته، لا سيما فى قريته جريس، التى لا يدخل غريب ورشة فخار فيها، فنظام العمل داخل جميع ورش الفخار فى قرية جريس أسرى، كما هو الحال فى ورشة «فوزى»، فيعمل معه أبناؤه وأشقاؤه وجميع أفراد أسرته، ورغم ما يعانيه «فوزى» من بعض أمراض، كالغضروف وجلطة فى القلب، فإنه ما زال يعمل بيديه حتى الآن، فالاستسلام للمرض ليس من شيمه، فضلاً عن قلة الدخل من المهنة التى لا تساعده على ذلك، حسب قوله.
«فوزى»: نطالب وزارة الصناعة والتجارة بفتح باب تصدير الفخار للخارج وتنظيم معارض لمنتجاتنا
اكتسبت «جريس» شهرتها أول الأمر قبل عقود طويلة فى صناعة الفخار الأسود، وهو ذلك النوع البدائى لتلك المهنة، فلم يكن حينها ألوان تضاف إلى الطين، كما يقول «فوزى»، إلا أن الأمر تطور حالياً فأصبحت الألوان عنصراً أساسياً من عناصر الصناعة، فضلاً عن التطوير الذى سلكه «فوزى» لنفسه، حتى أصبح الوحيد الذى يقوم بصناعة الخزف مع الفخار فى قرية «جريس»، إضافة إلى تطوير معدات العمل نفسها، فابتكر ماكينة تعمل بالكهرباء لضرب الطين قبل تشكيله، موفراً بذلك مجهوداً كبيراً كان يبذله العامل: «الطينة تدخل من ناحية وتخرج جاهزة للتشكيل من الناحية التانية».
تبدأ مراحل تصنيع الفخار بعد إحضار الطين المخصص له، ويكون أغلبه من الأراضى الزراعية، ناتجاً عن تنظيف الأرض أو عن الأراضى الزراعية التى تحولت إلى أراضى بناء، فتكون بعد ذلك المرحلة التالية من غربلة الطين لإزالة الشوائب الظاهرة فيه، ثم تخميره فى حوض ماء لمدة يوم كامل، ثم يتم تخزينه، وعند الاستخدام يدخل المرحلة الأخيرة من خلال ضربه وتصفيته يدوياً، التى استبدلها «فوزى» بماكينة الكهرباء الخاصة به، ثم يكون جاهزاً للتشكيل بأشكال مختلفة يكون أغلبها من متطلبات المعيشة والمطابخ، حسب «فوزى»، ليتم توزيعها على المحافظة وغيرها من المحافظات، وبيعها أيضاً من خلال المعارض فى محافظة القاهرة.
«فوزى» وغيره من العاملين فى ورش الفخار بقرية جريس، يطالبون بتحسين أوضاعهم والنهوض بالصناعة أكثر خلال الفترة المقبلة، وأن تفتح وزارة التجارة الخارجية لهم باب تصدير للدول الأخرى، وتنظيم معارض لمنتجات الفخار فى الخارج، فهو يعلم أن الدول الأخرى تقدر تلك المنتجات، حيث كان له تجربة سابقة فى تسعينات القرن الماضى فى التصدير، ولكنه كان تصديراً غير مباشر لم يستمر طويلاً، فضلاً عن المضايقات التى يعانى منها صناع الفخار فى «جريس» حسب قوله، والمتمثلة فى محاضر وزارة البيئة التى تجبرهم على التوقف عن حرق الفخار 4 أشهر من العام، تبدأ أول أغسطس وتنتهى فى نهاية نوفمبر، ما يزيد من أعبائهم: «بيخلونا منحرقش بحجة إنهم بيخفوا الضغط شوية عشان ده موسم الرز، واللى بيتمسك بيحرق فخار فى الوقت ده بيتعمل له محضر وبيدفع 10 آلاف جنيه غرامة».