«الخطاط».. مهنة «عشاق الكتابة» تواجه زحف التكنولوجيا
فتحى السيد
فى أحد شوارع القاهرة، متفرع من شارع محمد على بحى العتبة، يجلس فتحى السيد إبراهيم، ذو الـ65 عاماً بملامح وجهه الهادئة تصاحبه ابتسامة خفيفة، مرتدياً نظارته، على مكتبه الصغير كل صباح بجانب أدواته من أقلام البوص والمعدن والورق المقوى والمسطرة، ليقوم بعمل اعتاده منذ 34 عاماً من رسم وكتابة المخطوطات، التى بسببها ترك عمله فى وظيفة حكومية ثابتة، ليتبع شغفه، بعدما أثنى زملاؤه على روعة خطه وإتقانه، ما دفعه لاتخاذ قراره بدخول مجال الاحتراف فى مهنته وألا يكتفى بها كهواية فقط وإنما يصقلها بالدراسة والتعرف على أصول وقواعد الخط العربى.
بدأ «فتحى» احتراف المهنة عام 1984 فى شارع «محمد على»، الذى يعتبر بمثابة ملتقى للخطاطين والموهوبين على مر الزمن، من خلال عمله لـ«إكلشيهات» والأختام والزخارف وكل لوازم الدعاية والإعلان: «الخطاط زمان كان ليه شأن، كان بينفرد بنفسه، ويتخيل الأشياء اللى ممكن يشكلها بالخط العربى زى الزهرة أو الحصان ويبدع فيها ويترجمها على اللوح أو الورق اللى قدامه، إنما للأسف البرامج اللى بقت متاحة على الكمبيوتر بدأت تقضى على الحالة دى، بالرغم إن مؤسس البرامج دى خطاط فى الأصل».
«فتحى»: شغلانتنا زمان كان لها شأن لكن للأسف البرامج اللى بقت متاحة على الكمبيوتر بدأت تقضى على الحالة دى
ورغم ما تمر به مهنته من ظروف تنذر بالانقراض فإن «فتحى» لم يفقد شغفه، وظل متمسكاً بها إلى الآن دون كلل، وأوضح أن كتابة اللوحة، سواء كانت سورة من القرآن الكريم أو حكماً وأقوالاً مأثورة، تستغرق منه 10 أيام على أقصى تقدير.
يعيب «فتحى» على بعض أساتذة اللغة العربية، موضحاً أن أغلبهم لا يجيدون الكتابة بشكل سليم ولا يستطيعون التفرقة بين «الرقعة» و«النسخ»، بالإضافة إلى عدم إلمامهم بجميع قواعد اللغة العربية: «مدرس العربى زمان كان ليه هيبته وكان ما يقلش أهمية عن الرسام، ويرسم السبورة بالخطوط ويحبب الأطفال فى الكتابة، إنما دلوقتى بقى نكش فراخ».
ارتفاع الأسعار أثر علينا سلباً.. والمهنة هتفضل موجودة بفضل بيوت الله
لم تنجُ مهنته من ارتفاع الأسعار، الذى أثر عليها سلبياً، فعلى حد تعبيره «اللوحة فى الماضى ما كنتش مكلفة بسبب توافر الخامات المستخدمة وقلة أسعارها، أما دلوقتى فاللوحة الصغيرة بتكلف فى حدود 500 جنيه بسبب ارتفاع سعر الخامات»، موضحاً أن جمهور الخط العربى اختلف باختلاف الزمن: «زمان كان الزبون بيجيلى مخصوص عشان أكتبله لوحة لأنه كان بيعتبر إن الخط العربى روح الكتابة، لكن دلوقتى بقى الاعتماد الأكبر على الكمبيوتر لأن الزبون بقى مستعجل مش زى زمان». وعبر «فتحى» عن مدى سعادته عندما يرى ملامح الرضا والإعجاب من الزبائن التى تأتيه: «لما بنتهى من أى لوحة براقب وش الزبون لو حسيته مبسوط بحس إنى أديت شغلى على أكمل وجه وبحاول إنى ماقصرش، وطول ما لسه فيه ناس ذواقة وبيوت لله بتتفتح زى الأديرة والمساجد اللى الخط العربى أساس لتزيينها، المهنة هتفضل موجودة ومش هتندثر».