«البوسطجى».. مرسال الأحبة يقاوم «السوشيال ميديا»
أبوالعلا زكى يفرز الجوابات قبل أن يبدأ العمل
قبل بضع سنوات من الآن كان صوت ندائه «بوسطااااه» يبعث الفرح فى نفوس الناس. يتلهف البعض لمعرفة أخبار صديق طال انتظاره، أو حبيب غائب من خلال ذاك المرسال: «لما كنت بشوف الفرحة فى وشوش الناس لما أوصلهم جواب زمان كنت بحس إنى مصدر سعادة ليهم وده كان أكتر حاجة بتهون عليا تعب المشاوير»، هكذا بدأ أبوالعلا زكى السيد، صاحب الـ63 عاماً، يسرد ذكرياته مع المهنة التى طالما أحبها منذ صغره، يجوب الشوارع بنشاط وحيوية، اعتادهما منذ يومه الأول فى المهنة، حاملاً بين ذراعيه مجموعة من الرسائل، مرتدياً نظارته الطبية، وممسكاً فى يده قلماً وقائمة بها أسماء وعناوين أصحاب تلك الرسائل، ليصوب به أمام كل اسم يقوم بتسليمه «الجواب».
يبدأ أبوالعلا يومه منذ التاسعة صباحاً فى مكتب البريد بكفر الشرفا بعزبة النخل، العمل الذى اعتاد عليه منذ 42 عاماً من خلال فرز وتسجيل الجوابات وبعد أن ينتهى منها، يبدأ رحلته الميدانية بتوصيل ما يسمى «البريد المستعجل» منذ العاشرة صباحاً حتى تمام السادسة مساء، يقول: «بعد ما اتخرجت سنة 73 اشتغلت طوّاف بهيئة البريد وده كان اسم ساعى البريد ساعتها»، حيث كانت وجهته الأولى فى أسوان وعمل بها لمدة ثلاث سنوات ومن ثم انتقل إلى القاهرة وبالتحديد فى حى شبرا لمدة 6 سنوات إلى أن استقر الأمر به فى عزبة النخل التى عمل بها منذ 15 سنة إلى الآن، ومن خلال تلك الرحلة ذكر أبوالعلا العديد من المواقف التى مرت عليه، يقول ضاحكاً: «مرة كنت فى إدفو وراكب الركوبة «الحمار» وشايل الجوابات معايا وماشيين فى طريق فيه ترعة مليانة سمك، فجأة لقيت الركوبة اتنفضت واتقلبنا أنا وهى بالجوابات فى الترعة»، وأثناء سرده لبعض المواقف التى تعرض لها اختنق صوته بعض الشىء ليتذكر زميله «عم حسن»، الذى توفى قبل أن يستلم جواب معاشه: «رحت أسلمه الجواب زى ما طلب منى لقيته مات»، موضحاً أن تلك من أكثر المواقف التى لا يمكن أن ينساها.
«أبوالعلا»: كنت بوزع 250 جواب من الغايبين.. دلوقتى 100 كلها قضايا.. واللى يجرب المهنة هيغواها
يذكر أن المهنة اختلفت كثيراً عما كانت عليه فى الماضى، إذ كان يجوب الشوارع بنحو 250 جواباً يومياً أغلبها جوابات شخصية ورسائل طمأنة من الغايب تثير فرحة المستقبلين لها، أما الآن وبعد انتشار وسائل الاتصال الحديثة و«السوشيال ميديا» فقد تبدل الحال وأصبح يجوب القرية بـ100 جواب فقط فى اليوم وأكثرهم خطابات من هيئات رسمية، مثل الضرائب والتأمينات والمعاشات، ولم يعد مضمونها يثير فرح المتلقين كما كان من قبل، أما على الصعيد الاجتماعى، فيقول: «ميزة المهنة بتاعتنا أنها اجتماعية واللى يجربها هيغواها ومن خلالها اتعرفت على ناس كتير ولسه على تواصل مع بعض لحد دلوقتى ومقدرش أنسى الناس اللى كانوا بيكرمونى فى بيتهم كل ما أوصلهم جواب لكن دلوقتى للأسف ده مش موجود»، واسترسل فى حديثه ليؤكد أن مهنة مندوب البريد أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها، معللاً ذلك: «الجواب مستند وما ينفعش أبعت مستند بالتليفون، لأن أغلبها بيبقى قضايا وشيكات لازم تبقى ورقية».