لا أعرف من الذى اقترح على مسئولى قناة «الحياة».. استضافة هذا المراوغ، المخادع، متعدد الأنظمة، المدعو «عبدالمنعم أبوالفتوح»!. ما المناسبة؟. ولماذا هو بالذات؟. وبأى صفة؟. كأن المشهد السياسى الحالى يحتاج إلى مزيد من «الميوعة» و«النحنحة» والخطابات الفاشية المموهة!!.. وكأن المواطن المصرى فى حاجة إلى كذب وتدليس وحق يراد به باطل!!. والسؤال الأهم: لماذا اختار هذا الإخوانى الفاشى قناة «الحياة» دون غيرها؟. أين صاحب القناة، الدكتور سيد البدوى؟. ألا يخشى من التلميح -صدقاً أو كذباً- بأن ثمة تفكيراً فى «صفقة سياسية» وقد اقترب موعد الانتخابات؟. ألا يخشى من القول -صدقاً أو كذباً- بأن الهدف ليس تلميع «أبوالفتوح»، بل «مغازلة» الجيش والدق على أبوابه؟.
أمس الأول -الأربعاء- استضافت «الحياة» هذا الـ«أبوالفتوح»، وأفردت له حواراً استمر حوالى ساعة ونصف، وهو الحوار الثانى للشخص نفسه خلال أقل من شهر. الحوار الأول أداره شريف عامر ولم أشاهده مع الأسف، وقيل لى إنه كان حواراً «مهنياً» جاداً وحاداً على الرغم من شبهة تعاطف مع الإخوان تحيط بـ«شريف»، أما الحوار الثانى فقد أداره معتز الدمرداش، وكان فى الحقيقة حواراً، مستفزاً، بشعاً، يرفع ضغط المشاهد ويجعله طول الوقت يضرب كفاً بكف، وقد يخرج عن كل حدود الأدب واللياقة. وفى حدود علمى فإن «ضيفاً» مراوغاً، مائعاً، «حاراً صيفاً.. ليبرالياً ممطراً شتاء»، مثل أبوالفتوح، يحتاج إلى محاور حاد وشجاع، «مذاكر ولبط»، يعرف متى يقاطع ضيفاً من هذا النوع لكى لا يلضم أكاذيبه، ويوهم المشاهد بأنها حقيقة، ويعرف متى يتركه يسترسل لتكتمل الكذبة وينكشف أمره. وقد كانت أمام «معتز» وطاقم برنامجه فرصة ذهبية لـ«تمزيق» هذا الإخوانى «الموارب» وتفكيك موقفه السياسى المحير، لكنه أهدرها لأسباب لا تتعلق -فى تقديرى- بكفاءته المهنية.. بل بخوفه من أن يصنف سياسياً!.
إجمالاً، وفى المحصلة الأخيرة للحوار، لم أخرج بـ«جديد»: المراوغة نفسها، والكذب نفسه، والانحياز نفسه، لكن الحوار لم يخل بالطبع من محطات مستفزة. بدأ أبوالفتوح بالحديث عن احتمالات ترشحه للرئاسة، فلم أفهم إن كان ينوى الترشح أم سيفسح المجال لغيره، علماً بأن الكل يعرف أنه ما زال يحلم بـ«المقعد»، وأن غروره وعمى بصيرته يصوران له أن من الممكن تكرار «ميغة» انتخابات 2012 الرئاسية.. وأن فرصته فى الانتخابات القادمة ستكون أكبر بعد أن خلت الساحة من الإخوان وأصبح الممثل الوحيد للتيار الإسلامى، بل والوحيد الذى يمكن أن يكون نداً للفريق السيسى فى حال ترشحه.. هكذا يعتقد!. وعلى ذكر السيسى فقد أعلن أبوالفتوح -ناصحاً فى الظاهر ورافضاً فى الباطن- أنه ضد ترشحه، بحجة الحفاظ على نقاء المؤسسة العسكرية من دنس السياسة، ولكى لا تؤول «30 يونيو» على أنها «انقلاب عسكرى».. هذا هو الحق الذى أراد به -كالعادة- باطلاً، فليس أدل على كراهية أبوالفتوح للجيش من تصريحاته المعادية والمعلنة والفجة أثناء فترة المشير طنطاوى الانتقالية.
تحدث أبوالفتوح كثيراً عن الإخوان، لكنه لم يذكرهم بإساءة واحدة، بل لم يذكرهم صراحة إلا لماماً، وبلغ به التبجح أن قال إنه «من غير المروءة أن يتحدث عنهم»، فى حين سبق أن طالب بعد «25 يناير» بإعدام مبارك وكل رجال نظامه! وعندما سئل -أكثر من مرة- عما يفعله «فلول» الإخوان بعد سقوط نظام حكم رئيسهم الإرهابى، الخائن، الفاشل، وعن مظاهراتهم ومسيراتهم المخربة، وأعمال حلفائهم الإرهابية فى سيناء وغيرها من ربوع مصر، أصر على ضرورة محاسبة كل من يثبت تورطه فى قتل أو تحريض أو تخريب، لكن أصر أكثر على ضرورة ألا يكون ذلك حجة لاستخدام العنف ضد الجميع، أو للزج بـ«أبرياء» فى السجون، ولا أعرف فى الحقيقة من الذى يستحق من هذه الجماعة الإرهابية أن يكون بريئاً.. بمن فى ذلك هو شخصياً!!.
ذروة التبجح والمغالطة والاستفزاز عندما وصف جريمة قتل أكثر من عشرين جندياً بأنها «عبث صغار»، يعنى «لعب عيال» فى حين أن عروقه انتفخت وعينيه جحظت عندما تحدث، فى حين أن عروقه انتفخت، وعينيه جحظتا عندما تحدث عن حوادث «الحرس الجمهورى» و«المنصة» و«فض اعتصام رابعة»، إذ وصفها بأنها «مذابح» و«مجازر»... هذا ليس فقط دليلاً على ولائه المرضى لهذه الجماعة الإرهابية، بل تأكيداً قاطعاً لحقيقة يحاول دائماً أن يخفيها، وهى أنه أحد الأساطير المؤسسة للإرهاب فى مصر، وأكثر رعاته الرسميين خطراً على الدولة المصرية.
إن كان لحوار «الحياة» فائدة، فهى أننا أمام رجل لا يستحق ولا ينبغى أن نسمح له بأن يحلم -حتى- برئاسة مصر. ومن الأفضل ألا يكون موجوداً فى الحياة السياسية من الأساس.