هل أصبحت الحياة أرقاماً فقط؟
وأمام هذه اللغة تسقط القناعات والمبادئ والأخلاقيات، وهل أصبحت مصر عبارة عن منتجعات سكنية فاخرة يقابلها بشر يعانون البؤس والفقر والمرض وبينهما لا شىء؟ هذه الأسئلة طرحت نفسها بين إعلانات تؤسس للاستفزاز والاحتقان وإعلانات تحاول فتح مسارات للخير ولكنها فى حاجة إلى صياغة وطرق أخرى، وبين مضمون درامى يؤكد فداحة غياب كبار الكتاب ومحدودية الثقافة وتكرار الأفكار وبين وهج الأداء التمثيلى لبعض النجوم وميلاد نجوم جديدة تؤكد قوة مصر الناعمة، بين كل هذا جاء الموسم الرمضانى هذا العام أقل كثيراً من الأعوام السابقة.
مع استمرار الضغط الإعلانى إلى حد الانفجار بالإضافة إلى طول الفترات الزمنية للإعلانات فلم نعد نعانى من كثافة عدد المرات ومن مضمون كثير من الإعلانات فقط، وإنما أضيف إلى هذه المعاناة طول الإعلان نفسه، وهذه الأشياء تؤدى إلى رسالة إعلانية معكوسة، من نتائجها إغلاق الصوت وهو ما يفعله أغلب مشاهدى التليفزيون أثناء الفقرة الإعلانية الطويلة، مع حالة من الضجر والغضب لجعل الهروب إلى مشاهدة المسلسلات من خلال الإنترنت هو الاختيار والحل، وهذه نقطة تمثل متغيراً واضحاً وضخماً يعلن عن نفسه ويؤكد كل عام أن المستقبل القريب لن يكون به مساحة لشاشات التليفزيون.
وفى موسم التنافس الإعلانى تشابهت علينا الإعلانات لتكرار نفس النجوم فى أغلبها، والمؤسف أن شهوة المال تسيطر على أغلب النجوم، فلم يكتفوا بالمنافسة فى الأعمال الدرامية وإنما تسابقوا للدخول إلى ماراثون الإعلانات دون التفكير فى خسائر على مستوى القيمة والاحتفاظ بالبريق والوهج، ولكن يبدو أن البعض لا يغرم سوى بلغة الأرقام فقط، وبلغة الأرقام تأتى الإعلانات لتقدم صورة تقول إننا مع كل الأسف لا نستثمر ولا ننتج سوى فى بناء المنتجعات السكنية ويبدو أن كل من يمتلك مالاً يتجه للأسمنت.
وهنا تطرح الأسئلة نفسها عن المكاسب الفلكية رغم كثرة المعروض، حيث إننا لا نعرف من أنواع البناء سوى هذه المنتجعات الفاخرة التى تؤسس للفتن الاجتماعية وتزيد مستويات الاستفزاز والقهر والإحساس بالعجز، أما المضمون الدرامى فجاء هذا العام ليؤكد حقيقة وهى أن كل ما رأيناه من أعمال لا يحتمل أكثر من 15 حلقة فقط، وعلى مستوى القضايا والأفكار فهناك تأكيد لخسارة رحيل أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن ومحسن زايد وفداحة غياب محمد جلال عبدالقوى ووحيد حامد، فهذه الأسماء تملك من الأفكار والثقافة والرؤى والقضايا والعمق ما يفتقده أغلب من يتصدرون الكتابة الآن.
والمؤسف أن البعض يعتمد فى حواراته على كوميكس مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعى، وأصبح عدد كبير من المشاهدين يرفضون ويبتعدون عن الأعمال التى تحتوى على العنف، فالأغلبية أصبحت تبحث عن الرقى وعما تفتقده فى الواقع، تبحث عن الأناقة فى الألفاظ والأزياء والتعاملات، ولهذا كان مسلسل ليالى أوجينى حالة مختلفة يؤكد افتقارنا وافتقادنا كل هذه التفاصيل الراقية والأنيقة والبعيدة عن عالم الصخب والقبح واللهاث والعنف والزحام.
أما الكلام عن الأداء والتمثيل والإخراج فلهذا حديث آخر.