تتغير المجتمعات عبر العصور وتتطور الأفكار والعلوم والثقافات حتى يختلف شكل المجتمع من عصر إلى عصر، لكن للأسف الشديد العالم من حولنا يتقدم في العلوم والثقافات والإلكترونيات ويهمل الأخلاق حتى يتأخر عنها ويفقدها.. يمكننا الجزم بأننا أكثر تطوراً في التكنولوجيا عن الماضي لكننا أصبحنا مفتقدين للقيم والأصول والأخلاقيات القديمة وهذا هو العيب الحقيقي.
لو اتخذنا المجتمع المصري كمثال حي سنجد أنه تطور من نظام ملكي وراثي إلى نظام جمهوري إنتخابي وسنجد أن التكنولوجيا الحديثة توغلت داخله حتى طورته ليلائم الحداثة العالمية والتحضر، لكن لو نظرنا إلى الأخلاق فيه سنجدها تدهورت حقاً واختلفت عن الماضي.. لو رجعنا إلى الوراء قليلا لزمن الملكية المصرية ونظرنا إلى الحفلات الغنائية للمطربين أمثال كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب عبد الحليم حافظ سنجد أن نوع الفن الذي كان يقدم إلى الجمهور فن حقيقي وراق يطرب الآذان، وأصوات الفنانين كان يستحق السماع ويكفي أن صوت أم كلثوم كان يستحق أن يوصف بصوت مصر، والأهم من ذلك كان شكل الجمهور مختلف تماماً عن الجماهير الحالية في الحفلات الغنائية الحديثة، فمعظم النساء من الجمهور كانوا لا يرتدين الحجاب وربما يلبسن ملابس قصيرة إلى حد ما، ومع ذلك كان الاحتشام واحترام الذات موجود، ولا يجرؤ رجل أن يغازل سيدة في الحفل أو يكلمها لأن الكل جالس يستمع إلى الطرب الأصيل ويعطي له اهتماما.. على عكس ما هو موجود الآن فالحجاب ازداد كثيراً بين السيدات، ومن المفترض أن تكون هذة علامة للاحتشام لكن للأسف هناك من النساء المحجبات من يرتدين الحجاب عادة وليس عبادة، وكلنا نعلم الشكل الجديد للحفلات الغنائية الذي لا يقارن برقي الماضي.
أما عن القيم والمعايير فحدث ولا حرج.. ففي الماضي كان الذوق موجود أكثر بكثير من الآن حتى بين الأصدقاء الشباب كان الاستئذان هو الأساس في كل المبادرات أما الآن فقد يأتي صديق إلى بيت صديقه دون استئذان وفي منتصف الليل ويعتبر هذا التصرف نوع من العشم والمحبة.. حتى المصطلحات المستخدمة كلغة للشباب كانت في الماضي مفهومة ومحترمة، أما الآن فهي غامضة إلى حد ما بالنسبة للأجيال القديمة وللأسف الشديد لا تخلو من الإيحاءات الجنسية التي أصبحت تقال كل يوم في أي مكان.. ولو تكلمنا عن علاقة الرجل بالفتاة ففي الماضي كان يتفنن في كتابة كلمات الغزل المهذب الذي يكتبه في رسالة ويضع الرسالة تحت نافذتها مع وردة جورية تعبر عن حبه لها ويكون هذا التصرف تمهيداً للزواج.. أما الآن فقد يرسل لها رسالة على موقع التواصل الاجتماعي أو يصارحها بحبه علناً، ورغم قصر طريق التعبير عن الحب الآن مقارنة بالماضي إلا أن الطريقة في الماضي كانت أجمل بكثير.
تطورنا علمياً وثقافياً لكن أخلاقنا تدهورت وتأخرت كثيراً، هذا لا يعني أن الخير قد انتهى من العالم بل ما زال هناك خير وأشخاص أخيار لكن الأغلبية لم تعد كالسابق، كثير من الشباب الآن قد لا تقوم من مقعدها ليجلس مكانها الشيخ العجوز أو العاجز لأن هؤلاء مفتقدين للقيم والمبادئ الأخلاقية العامة التي كانت في الماضي، والسبب هو روح العصر السريعة التي أخذت من وقت التربية أو جعلت التربية مختصرة جداً كأشياء كثيرة.. وسوء التربية ينعكس سلباً على المجتمعات ويظهر ظواهر فاسدة كالتحرش الذي أصبحت متوغلا بكثرة في كل شارع والإدمان الذي تفشى في بيوت كثيرة.. فما أجمل أن نعود إلى الوراء لنذكر كيف كانت أخلاقنا وكيف أصبحت الآن.