صيادو «قارون» يصرخون من التلوث: «اشتهينا السمك»
رجب يشكو من تلوث مياه البحيرة وقلة السمك بها
على شاطئ بحيرة قارون، تقف العشرات من المراكب بشكل عشوائى بعدما هجرها أصحابها منذ سنوات طويلة بسبب تلوث مياه البحيرة، التى تحولت من «نعمة» ومصدر رزق آمن لمئات الصيادين من أهالى قرية شكشوك إلى «نقمة»، خاصة بعد أن اختفى السمك من البحيرة، وفقد الصيادون مصدر رزقهم الوحيد، رغم الشكاوى العديدة التى قدموها إلى كل المسئولين بالفيوم لإيجاد حل لهذه المشكلة، إلا أن «الوضع دائماً يبقى كما هو عليه».
داخل «مندرة» منزله المطل على البحيرة، جلس رجب عبدالحليم، 66 عاماً، صياد، مرتدياً جلباباً واسعاً وعمة، يتحدث عن بحيرة «قارون» بحزن شديد، فهى كانت، بحسب كلامه، أكثر بحيرة تنتج أسماكاً مختلفة فى مصر، لكن تلوثها بمياه الصرف الصحى قتل سمكها: «كانت قريتنا اسمها قرية الصيادين لأن كل اللى فيها مالهوش شغلانة غير الصيد، ونفسنا البحيرة ترجع تشتغل من تانى ونطلع منها سمك كتير عشان نقدر نأكل عيالنا ونعرف نعيش».
وعود كثيرة حصل عليها «رجب» وزملاؤه من هيئة تنمية الثروة السمكية، بتعويضهم بعد توقف حركة الصيد بالبحيرة، لكنهم فى كل مرة يتوجهون فيها إلى الهيئة يخبرونهم بأن عليهم الانتظار، وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على هذه الوعود لم يصرفوا أى مبلغ تعويضى: «قالوا لنا هنصرف لكم تعويض بعد 20 يوم كتعويض لحالنا اللى وقف وبعد ما حيلنا اتهد وإحنا رايحين جايين على الهيئة قالوا لنا مفيش تعويضات، رغم أن فى الغردقة لما الصيد توقف فيها لمدة شهر صرفوا لصاحب رخصة المركب 5000 جنيه وللصياد 400 جنيه واشتكينا كتير لكل المسئولين لكن ماحدش سائل فينا».
«صلاح»: الصرف الصحى لقرية كحك يصب فى البحيرة و«جمعة»: نفسى حد يبصلنا بعين الرحمة.. والمراكب أكلتها الشمس
يتذكر «رجب» حاله قبل 5 سنوات ناعياً بَرَكة تلك الأيام، حيث كانت الهيئة توفر لهم فى كل موسم «زريعة» سمك مختلفة فى البحيرة تكفيهم طوال الموسم، ورغم إلحاح صيادى البحيرة على الهيئة بتوفير زريعة سمك حتى يتمكنوا وأبناؤهم من العمل مرة أخرى بها فإنها رفضت بحجة أن المياه لا بد من تنقيتها: «آخر مرة جابوا لنا زريعة كانت من 3 سنوات وكانت حوالى 35 ألف كيلو على 500 فدان والسمك كان أغلبه ميت والباقى تعبان لأن عربيات النقل اللى جابته ماكانتش مجهزة ومن وقتها منذ 3 سنوات ماشفناش سمكة فى البحر»، قالها «رجب».
ضيق الرزق دفع «رجب» إلى الاستدانة من جيرانه ليتمكن من تلبية احتياجات بيته، كما أرسل أبناءه الثلاثة للعمل فى بحيرة ناصر بأسوان بحثاً عن باب رزق آخر هناك رغم ما تعرض له بعض أقاربهم أثناء سفرهم، يقول: «حطيت فى قبرنا 11 واحد من عيلتى توفوا وهما فى أسوان بيشتغلوا، بس مفيش بإيدينا أى حل غير إننا نسيب عيالنا يتغربوا عشان يعرفوا يعيشوا بعد ما أكل عيشنا اتقطع هنا وأقدر أسدد ديونى اللى عليّا بقالها 3 سنين». وعلى طرف أحد المراكب المتهالكة، جلس «جمعة يوسف»، البالغ من العمر 57 عاماً، واضعاً يده على خده، ينظر إلى البحيرة، متذكراً حين كان يعود منها برزق كبير، حيث كانت تنتظره العربات لنقل السمك إلى مختلف القرى والمحافظات: «كنا بنطلع من المراكب نلاقى عربيات وتجار واقفين قدام البحيرة وبعد ما الجمعية تعمل المزاد بتوزع علينا المكسب يوم بيومه لكن دلوقتى مش لاقيين سمك ناكله واللى موجود فى السوق مزارع مالهوش طعم وبـ30 جنيه الكيلو». محاولات عديدة قام بها صيادو البحيرة للتغلب على وقف الحال، حيث حاول بعضهم الصيد من وادى الريان لكنهم لم يتمكنوا من اتخاذ تلك الخطوة بسبب عدم منحهم تراخيص بالصيد فيه، بجانب أن المراكب بوادى الريان يختلف ترقيمها عن مراكبهم، وفقاً لكلام جمعة: «رخصة المركب فيها 9 أفراد، والبحيرة ليها 605 رخص فقط بنشارك بعض فيها وكنا بنطلع سوا واللى نكسبه نقسمه علينا فى آخر اليوم لكن حالياً بنتحاسب بالأسبوع لأن مكسبنا فيه مش بيتخطى الـ500 جنيه بعد ما كان ربنا بيكرمنا فى اليوم بـ2000 جنيه، ولما حاولنا نصطاد من وادى الريان معرفناش».
رغم وقف الحال الذى يعانى منه «جمعة»، فإنه مطالب بدفع مبالغ مالية كثيرة للهيئة، الأمر الذى يزيد من أعبائه، حيث يقوم بدفع نحو 300 جنيه «عمولة» و200 جنيه سنوياً للتأمينات، وفقاً لكلامه: «كنا بندفع تأمينات 12 جنيه بس السنة دى دفعتها 200 جنيه بدون ما يكون فى أى مقابل بناخده، نفسنا حد يبص لنا بعين من الرحمة، ده إحنا بقينا نخلى الستات فى القرية تشتغل مع أن ده عيب بالنسبة لينا بس الظروف حكمت». يشير الرجل الخمسينى إلى أحد المراكب المقابلة، قائلاً بنبرة غاضبة: «المراكب كلتها الشمس والمياه تحول لونها للأخضر من كثرة الشوائب الموجودة بها بعد ما كانت المياه صافية شبه الزجاج ولما كان حد فينا يعطش يشرب منها وهو مطمن»، لافتاً إلى أن الهيئة والمحافظة قاموا بوضع «كراكات» على شاطئ البحيرة لتنقية المياه إلا أنه بعد فترة رجع الوضع كما كان عليه، على حد تعبيره.
مهنة «الصيد» ورثها «صلاح عبدالهادى»، 56 عاماً، من والده وجده، كان ينظر بشغف إلى كل حركة يفعلونها ليتعلم تفاصيلها، ومع مرور الوقت بدأ يبحر بمفرده ليلاً ليعود فى نهاية رحلته بأطنان من السمك: «وأنا عندى 8 سنين باشتغل فى البحر كنت بنام فى المركب وأبويا يصحينى عشان يحط السمك وماكنش بيبقى مكان حتى نقف فيه».
يحكى «صلاح» الوضع الذى كانت عليه البحيرة قبل تلوثها، قائلاً: «كنت كل ليلة برجع بـ6 طن سمك، وكنا بنبيع البورى بـ4 جنيه وكنا بنصطاد أنواع أسماك حالياً بنستوردها زى سمك موسى كنا بنبيعه بـ7 جنيه والشوار كنا بنبيع الكيلو بـ4 جنيه، ومرة فى الثمانينات البحيرة طلعت 56 طن سمك بورى فى يوم ودى كانت أول مرة تحصل»، لكن وضع البحيرة تبدل تماماً فى السنوات الأخيرة، حيث انتشر بها «سوسة» تأكل السمك، وفقاً لكلامه: «فيه سوسة بتاكل السمكة وتسيبها على الشوك ومش بنشوفها عايمة فى البحيرة، ده غير إن قرية كحك بتصرف فى مياه البحيرة، وعشان كده مبقاش فيها من أولها لآخرها سمكة نصطادها».