«جبير» ترك زحام القاهرة واعتزل الصحافة وأسس «زاد المسافر»: «مستحرم أقفله»
فندق «زاد المسافر» الذى أسسه «جبير»
وقع أسيراً فى حبها منذ أن وطئتها قدماه أول مرة، وعشق طبيعتها وبيوتها وسُكانها، فتمنى أن يكون له مكان وسط أهلها، حتى أصبح من أشهر سكانها.. إنه «عبده جبير» الكاتب والروائى والصحفى، الذى يعيش بقرية تونس، التابعة الآن لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، منذ 15 عاماً، بعدما قرر ودون تردد ترك القاهرة بشوارعها المزدحمة ليعيش فى منتجع ظل لسنوات يحلم به.
يروى «جبير»، لـ«الوطن»، قصته التى بدأت فى أوائل الثمانينات، حين دعاه أحد أصدقائه لزيارة قرية تونس، وكانت تلك المرة الأولى التى يراها فيها، ورغم صعوبة الوصول إليها، فإنه تمنى أن يكون أحد أبنائها: «ماكنش فيه غير طريق واحد ليها بينتهى فى قرية تبعد حوالى 10 كيلومتر، كنا بنركب الحمار ونمشى بين الحقول لحد ما نوصل ليها، وتمنيت لما كنت هناك يكون معايا فلوس تخلينى أبنى بيت أستقبل فيه المثقفين والكتاب»، وبعد مرور سنوات قليلة، وبالتحديد عام 1986، تمكن «جبير» من تحقيق حلمه بشراء قطعة أرض وبناء منزل ريفى عليه.
بدأ بإنشاء عشش ريفية بقرية «تونس» تحولت إلى فندق بيئى على 1500 متر يضم 27 شاليهاً
ارتباطه بالعمل فى القاهرة، وقتها، كان يمنعه من الذهاب للقرية بشكل دائم، إذ كان يكتفى بزيارتها أثناء إجازاته وفى المناسبات، حتى سافر الكويت عام 1995 لتأسيس مجلة الفنون للمجلس الوطنى، وغاب عن مصر والقرية لمدة 6 سنوات، وحين عاد كانت الصحافة، وفقاً لكلامه، فى حالة انهيار، ورغم حبه للكتابة الروائية فإنها كانت بالنسبة له «ما بتأكلش عيش»: «كان عندى 9 كتب وقتها إلا أنى كنت مضطر دايماً إنى أشتغل فى الصحافة لحد ما سافرت الكويت، ولما رجعت مقدرتش أستمر على الوضع ده وقررت أنى أتفرغ لكتاباتى لأن دايماً كبار الكتاب كانوا بيقولوا لنا أن الأديب الشاطر هو اللى ييجى على مرحلة ويقطع علاقته بالصحافة بعد ما يستفيد منها لأنها بتستنزف طاقته الإبداعية».
وبعد تركه الصحافة عاد إلى قرية تونس وعاش بها، وكان بين الحين والآخر يستقبل زملاءه من الكتاب والمثقفين، وأثناء زيارة للمخرج «على بدرخان» له، اقترح عليه استغلال أرضه فى إنشاء «عشش» ريفية يستقبل فيها زواره بدلاً من بيته، وتحمس «جبير» للفكرة رغم أن القرية حينها كانت بسيطة ولا يوجد بها أى وسائل ترفيهية لسكانها، وقرر أن يسمى المكان «زاد المسافر»، على اسم نوع من الخيول، بسبب حبه له، بعدما استعان فى إنشاء منتجعه بعدد من البناة الذين تتلمذوا على يد المهندس الشهير «حسن فتحى»، وكانوا على دراية بطرق البناء الريفية، وعلى مساحة 1500 متر بنى فندقه البيئى ليضم 27 «شاليهاً» بها 95 سريراً، بجانب حمام سباحة ومطعم ومكتبة، محاط بها «جنينة» خضراء.
ويتابع «جبير»، ابن محافظة الأقصر، قائلاً: «فى الوقت اللى افتتحت فيه المكان، اليونيسكو اعتمدت وادى الحيتان كتراث عالمى وتوافد أعداد كبيرة من الأجانب للمنطقة لأننا كنا أول منطقة عمرانية، قبل وادى الحيتان، ومنهم من مكث لسنوات طويلة عندنا، وهذا ما جعل تونس محط أنظار الأجانب، وتحولت القرية إلى مجتمع خليط ما بين سكانها الريفيين والأجانب والمثقفين».
توافُد الأجانب والمصريين على منتجعه دفعه إلى تسجيله واستخراج أوراق رسمية له، حيث كانت نسبة الإشغال فيه من قبل الأجانب كبيرة مقارنة بالمصريين، لكن مؤخراً تغير الوضع وانخفض دخله، حتى اضطر إلى بيع قطعة أرض يملكها تجاوز سعرها المليون ونصف المليون جنيه ليتمكن من الإنفاق عليه وعلى العاملين فيه: «لو بفكر بطريقة قصيرة النظر كنت قفلت المكان، لكنى استحرمت لأن معايا 18 شخص منهم 4 سيدات بيسترزقوا، وبقيت مضطر أدفع للحكومة 170 ألف جنيه سنوياً ما بين ضرائب وكهرباء ومياه».