عصام الزهيرى يكتب: المواجهة الثقافية للإرهاب
عصام الزهيرى
فى الواقع طال تأملى لعبارة العنوان، للدرجة التى بدأت أشعر معها كما لو كنت أتأمل فى نكتة أو مأساة أو خبر حزين. حال المواجهة الثقافية للإرهاب فى مصر كلها معروف ومؤسف ويصيب أى إنسان بخيبة وإحباط شديدين، فلا يوجد أى أثر من الحكومة الحالية يدل على اهتمام جدى أو حقيقى بمواجهة الإرهاب، فمصر تواجه الإرهابيين الذين يحملون السلاح، لكنها تحتضن الإرهابيين الذين يمارسون الإرهاب بالكلمة والفكرة والتحريض والدعوة الخبيثة المستترة، وحتى التحريض السافر المعلن.
لم نسمع مثلاً عن أصولى قدّم للقضاء بتهمة التكفير أو الدعوة للكراهية والقتل أو التحريض الطائفى، لكننا سمعنا كثيراً عن إعلاميين وكتّاب وشعراء قدموا للقضاء باتهامات لم يعرف لها تاريخ الإرهاب الدينى مثيلاً مثل تهمة ازدراء الأديان والإساءة لمشاعر المؤمنين...!!. وهو واقع يؤكد أننا نحيا فى أجواء تتيح للمتطرفين والمتشددين والمتعصبين ودعاة العنف الفكرى الهيمنة والسيطرة، بل والعربدة، كما شاء لهم الحقد والتطرف والتشدد الدينى وإعلان الكراهية.
فماذا يمكن قوله عن مواجهة ثقافية للإرهاب فى محافظة فقيرة مثل الفيوم؟!
فى الواقع لا شىء مطلقاً، فالفيوم محافظة لا تملك حياة فكرية وأدبية وفنية وإعلامية نشطة من الأساس، لا قناة تليفزيونية يمكنها اجتذاب مشاهديها من أبناء المحافظة عبر طرح مشكلاتهم وهمومهم ومناقشة واقعهم بحرية، لا جريدة تتفاعل مع عقل المواطن وتمرن ملكات النقد وطرح الأسئلة والعقلانية والاستنارة لديه، هذه الملكات التى تستغل جماعات الإرهاب غيابها لتجنيد أعضاء يدينون لها بالسمع والطاعة ويمكنها أن ترسلهم فى عمليات القتل والاغتيال والنسف والتفجير. أيضاً لا تسأل عن جمعيات ومنظمات مجتمع مدنى نشطة فى هذا المجال تستخدم أدوات التفاعل الجماهيرى المختلفة مثل النشرة والندوة والمؤتمر واللقاءات الجماهيرية وأنشطة التثقيف والكتاب فى هذا الإطار. والسر الفضائحى الذى لم يعد خافياً أن كثيرين من المسئولين عن النشاط الثقافى فى المحافظة، موظفون لا علاقة لهم بالثقافة ولا بشئونها.
الدولة يا سادة لا تعول إلا على الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهابيين، أما الذخيرة الدينية والفكرية والسياسية والثقافية للإرهابيين فهى باقية وتتمدّد، مما يعنى أننا سنظل نعانى من انفجارات إرهابية متتالية مثل التى عانينا منها دورياً منذ اتجاه الدولة الساداتية فى السبعينات إلى التحالف السياسى مع الجماعات المتطرفة وحتى اليوم.
بقى وللأمانة أن نتحدث عن مواجهة الجيش والشرطة للإرهاب فقط ولا نتحدث عن مواجهة ثقافية للإرهاب.. مفيش من الصنف ده..!!