«تغير المناخ» مصطلح يعنى «تغيراً فى المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشرى الذى يفضى إلى تغير فى تكوين الغلاف الجوى العالمى»، ولهذه الظاهرة آثار ضارة، لعل أبرزها تزايد الغبار، الذى يقلل من جودة الهواء ما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسى ويقلل من الرؤية، ما يؤثر على الطيران، ويسهم فى زيادة احتمال حوادث السيارات والسفن، كذلك يقلل الغبار من كفاءة استخدام الطاقة الشمسية، ويؤثر على الحياة البحرية والزراعة، ويغير بشكل غير مباشر الكيمياء الضوئية فى الغلاف الجوى، ويغير درجة حرارة الأرض بشكل مباشر أو غير مباشر، وهكذا، كان من الطبيعى أن يحتل التغير المناخى المرتبة الثانية فى المخاطر التى تواجه العالم أجمع بعد أسلحة الدمار الشامل، بل إن معظم المخاطر الأخرى، كالأمن الغذائى ونقص أو زيادة المياه والأمراض المستوطنة والجفاف، جميعها تحدث بسبب التغيرات المناخية.
وعلى المستوى الوطنى، فإن مصر تقع فى المرتبة العشرين عالمياً فى التأثر بالتغير المناخى، حيث أصبحت السيول ضيفاً دائماً علينا فى السنوات الأخيرة، ولم تنج محافظة مصرية من هذه الظاهرة، وكان آخرها غرق منطقة التجمع الخامس بالقاهرة، وشهدت المحروسة تقلبات جوية حادة فى توقيتات لم تعهد المنطقة وجودها من قبل، وبحيث صار مألوفاً أن تحدث موجة حارة فى فبراير وسقوط الأمطار فى مايو، كذلك، بدأ الحديث عن اختفاء الدلتا بفعل ارتفاع منسوب البحر الأبيض المتوسط.
والسبب الأساسى لهذه الظاهرة يكمن فى تزايد تركيزات الغازات الدفيئة بدرجة كبيرة فى الغلاف الجوى، وقد أشارت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أن أكبر قسط من الانبعاثات العالمية فى الماضى والحاضر للغازات الدفيئة نشأ فى البلدان المتقدمة النمو، وأن متوسط الانبعاثات للفرد فى البلدان النامية ما زال منخفضاً نسبياً، ومن ثم فإن المسئولية الأساسية فى مواجهة ظاهرة التغير المناخى تقع على عاتق الدول المتقدمة، ومع ذلك فإن هذه الدول تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها فى هذا الصدد، رغم توقيعها على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية بشأن تغير المناخ والاحتباس الحرارى، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية انسحبت فى العام الماضى من اتفاقية باريس للمناخ.
وهكذا أصبح لزاماً على الدول النامية مواجهة الآثار الضارة لظاهرة الاحتباس الحرارى وتغير المناخ، رغم أنها لم تكن سبباً فيها، ومن هنا نفهم طلب بعض الخبراء من الحكومة المصرية أن يكون هذا الملف هو رقم واحد فى خطتها، ويبدو أن هذا الملف لم يكن غائباً عن ذهن صانع القرار فى مصر، ولا سيما منذ بداية الألفية الثالثة، فصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 272 لسنة 2007 بتشكيل اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية، وفى شهر يوليو 2015م، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 بتشكيل المجلس الوطنى للتغيرات المناخية، ليكون مسئولاً عن صياغة استراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ، كذلك يلزم القرار الوزارات المعنية بتكليف إحدى وحداتها بالعمل على موضوعات تغير المناخ، وبناء على ذلك قامت وزارة الموارد المائية بإنشاء مركز التنبؤ بالأرصاد الجوية والتغيرات المناخية، وأنشأت وزارة الزراعة مركزاً لمعلومات تغير المناخ، وأنشأت وزارة البيئة معهداً للتغيرات المناخية، ولكن تبقى النتائج على أرض الواقع، ولا نغالى إذا قلنا إنها لا تزال ضعيفة ولا تتناسب مع درجة الأخطار التى تتعرض لها مصر.. والله من وراء القصد.