براءة "محجوب" من القتل بعد 6 سنوات سجن.. وكلمة السر "مكرم باشا عبيد"
مكرم باشا عبيد
صباح يوم 22 أبريل الماضي، أصدرت محكمة جنايات أسوان حكما ببراءة شاب يُدعى "محجوب" من اتهام بالقتل العمد، قبع على ذمته 6 سنوات فى غياهب السجن ما بين مراحل تحقيق أولي ومحاكمة لأول مرة ثم إعادة محاكمة، وذلك فى قضية شهدت صدور حكم بالمؤبد، ثم جاء دور محكمة النقض والتى داوت جراح "محجوب" وألغت الحكم، ليصدر حكما بتبرئة ساحته نهائيا.
أوراق القضية رقم 1530 لسنة 2012، تسافر بنا 1200 كيلو متر جنوبا حيث أسوان المحافظة السياحية الأولى، وتحديدا أحد نجوع مركز نصر النوبة، الزمان يوم 29 أكتوبر 2012، حيث حدثت مشاجرة بين عدد من الشباب المنتمين لعائلتين، تطور الأمر إلى استدعاء كل طرف لأبناء عمومته، ليقع مالا يُحمد عقباه، حيث سقط المجنى عليه "شريف" مُضرجا فى دمائه، وأُصيب آخرون من بينهم "محجوب" والذي قاده فضوله إلى مسرح الواقعة.
بعد سويعات من الواقعة وفي إحدى المستشفيات، لفظ "شريف" أنفاسه الأخيرة متأثرا بإصابته بطعنة فى الظهر.. "محجوب" أيضا مُصاب بضربة عصا فى رأسه، حيث توجه إلى المستشفى للعلاج ومنها إلى مركز الشرطة لتحرير محضر بإصابته، لتبدأ المعاناة التي استمرت 2160 يوما، حيث فوجئ بكونه المتهم بقتل "شريف".
"يا بيه مش أنا.. والله ما قربت منه" بصوت قوي يصرخ "محجوب" داخل أروقة مركز شرطة نصر النوبة دون جدوى.. بين عشية وضحاها تحول إلى متهم فى قضية قتل بمنطقة يعتقد أهلها فى "الثأر" أكثر مما عداها.
التحقيقات تقول إن إثنين من أقارب "شريف" توجها إلى مركز الشرطة واتهما "محجوب" بالقتل، لكل منهما دليل، فقال الأول وهو خال المجنى عليه "يابيه بنتى سمعت واحد بيقول أن محجوب اللي ضربه"، وقال الثانى "سمعت شريف وهو بيقول محجوب ضربني"، وبناء على تلك الشهادتين تحول "محجوب" إلى متهم بالقتل العمد.
باشرت النيابة العامة التحقيقات فى الواقعة وندبت الطب الشرعي لتشريح جثة المجنى عليه، حيث أرجع التقرير السبب إلى إصابة المُتوفَى بجرح طعني وما صاحبه من نزيف سبَّب الوفاة، وأشار التقرير إلى وجود آثار مخدر الحشيش فى بول المجنى عليه.
ثم تسلمت النيابة تحريات رئيس مباحث نصر النوبة والذي استقى معلوماته من شهادة الشاهدين- عدل احدهما عن شهادته-، ومن مصادر سرية لم يُسمها، لتأمر فى النهاية بحبس "محجوب" على ذمة التحقيقات، ثم أحالته للمحاكمة الجنائية
وفي 22 أكتوبر 2014 أصدرت محكمة الجنايات حكما بمعاقبة محجوب بالسجن المؤبد لإدانته بالقتل العمد.
لم ييأس "محجوب" وتقدم بطعن على الحكم أمام محكمة النقض والتى قضت فى أكتوبر 2016 بإلغاء حكم الإدانة، وأمرت بإعادة محاكمته.
وقالت المحكمة إن حكم الجنايات المطعون عليه لم يبين توافر نية "محجوب" لإزهاق روح "شريف".
وفي ديسمبر2017، كان موعد "محجوب" للمثول أمام محكمة جنايات مغايرة لتلك التى أصدرت حكم إدانته الملغي، واستمعت المحكمة لدفاعه، المحامي شعبان سعيد والذي دفع بشيوع الاتهام، ودلل على ذلك بتقديم حكم براءة فى قضية مشابهة صدر، في مارس 1944، من محكمة جنايات قنا.
حافظة المستندات التى قدمها "سعيد" حوت صورا ضوئية من الصفحتين الرقيمتين "272 و273" من كتاب "كلمات ومواقف" والذي تروي فيه "منى مكرم عبيد" قصة قضية ترافع فيها والدها المحامى الراحل "مكرم باشا عبيد" أحد رموز الحركة الوطنية في مصر، وأحد أهم مفكري مصر في حقبة الأربعينيات والخمسينيات، وكان الدليل الوحيد فيها هو كلمة نطق بها المجنى عليه، قبيل وفاته بلحظات، حين سأله عمدة القرية عمن قتله فأجاب: "عطيفي" ثم تُوفي.
أوراق تلك القضية قالت إن شخصين كانا في مسرح الجريمة أحدهما يُدعى "عطيفي" والآخر يُدعى "ضيفي"، وقال مكرم باشا عبيد فى مرافعته أمام القاضي (سيدى القاضي .. إن كلمة القتيل قبل موته بلحظة- وهي دليل الاتهام الوحيد- قالها وهو فى حشرجة الموت فى النزع الأخير يُصارع الموت، ولكن الموت صارعه وصرعه.. قالها وهو يخطو آخر خطوة فى الحياة وصوته متهدج مضطرب وكلامه غير واضح ولسانه مشلول. وقد ثبت وجود شخص آخر يُدعى "ضيفي" فى مكان الحادث والفارق بين "عطيفي" وضيفي" يسير، وربما قال "ضيفي" ولكن العمدة سمعها "عطيفي"، فهل يكفي هذا الدليل المضطرب لوضع حبل المشنقة حول رقبة المتهم؟). ثم ختم مرافعته وجلس ليصدر الحكم ببراءة "عطيفي".
بالعودة إلى قضية "محجوب" استمعت المحكمة أيضا للمحامى "سعيد" والذي دفع بعدم قدرة المجنى عليه "شريف" على الحديث بتعقل، فضلا عن عدم وجود شهود للواقعة، وحجزت القضية للحكم.
وفي جلسة 22 أبريل الماضي أصدرت محكمة جنايات أسوان حكما ببراءة "محجوب" من تهمة قتل "شريف"، معلنة عن براءة سماوية جرت على لسان المحكمة، ولتُسدل الستار على الواقعة برمتها وتُعيد إليه اعتباره بين أقرانه.
وفصلت المحكمة أسباب حكمها بقولها إنها ارتابت للأدلة ولم تطمئن لها أو لتحريات المباحث، وأوضحت أن الأمر شاع بين المتواجدين فى مسرح الواقعة.