الطفل «رشاد»: «بلمّ بلاستيك علشان أشترى مخدرات.. ونفسى أتعالج وأحس إنى بنى آدم ويبقى لى بيت»
الطفل رشاد يتحدث لـ«الوطن»
تنتشر الوحدات المتنقلة التى تنفذ أنشطة برنامج «حماية أطفال بلا مأوى» فى 10 محافظات مختلفة يستهدفها البرنامج، و«الوطن» أجرت معايشة لتعامل وحدة متنقلة مع طفل بلا مأوى فى الشارع، وتابعت كيف تم كسر حاجز الخوف لديه وجذبه إلى الوحدة للتعامل معه، وتعرفنا من العاملين بالوحدات المتنقلة على طبيعة عمل كل منهم وحالة أطفال الشوارع الذين يتعاملون معهم، والتحديات التى تواجه عملهم.
فى مينى باص، مساحته متوسطة، سعته تقترب من سعة أوتوبيس 29 راكباً، به عدد من الأدوات المختلفة تهدف إلى جذب أطفال الشوارع له.. المينى باص من صُنع الهيئة العربية للتصنيع ومصمم بطريقة تجذب الأطفال إليه، ومدون على واجهته من الخارج شعار (إحنا معاك) ومقسم من الداخل إلى عدة أقسام تشمل حجرة استقبال للطفل بها منضدة يحوطها كرسيان طوليان، ثم حجرة طبية بالداخل بها إسعافات أولية، ومكان للنشاط والترفيه حتى يقضى الطفل وقتاً فى اللعب.
فرق «التضامن» تجوب المحافظات لإنقاذ أطفال الشوارع بشعار «إحنا معاك»
«رشاد»، طفل بلا مأوى، لا يتعدى عمره 16 عاماً، يتخذ من ميدان الدقى مسكناً له، يعرف الإخصائيين فرداً فرداً، ويعتاد الجلوس معهم بالوحدة العاملة فى محافظة الجيزة، ويعتبر الوحدة مأوى مؤقتاً له ربما لا يتعدى توقيت وجوده داخلها ساعة كاملة، وبمجرد أن رآنا تردد فى الدخول وانصرف، وهو ما يقول عنه بيشوى عدلى، الإخصائى النفسى بالوحدة: «هو خاف لأنه شاف ناس غريبة موجودة النهارده، والأطفال هنا بتخاف تتعامل مع أى شخص غريب أو من فكرة القبض عليهم أو إيداعهم فى دور رعاية رغماً عنهم».
انتظرنا عودته لكنه ظل متردداً فى دخول الوحدة، لكننا كنا نلاحظ أفعاله جيداً بالخارج، من خلال ما تظهره كاميرات التصوير على شاشة التلفاز الداخلى، لم يطمئن إلا بعد أن خرج له الإخصائى النفسى، ليقنعه أننا مجرد أصدقاء لهم وسنقضى معهم وقتاً قصيراً وننصرف.. دخل «رشاد» الوحدة، وهو يعلم جيداً ما بها من أنشطة وألعاب، وجلس مع إخصائى النشاط جمال عزت للعب بعض ألعاب القدرة على التركيز وبنبرة كلها ثقة قال: «أنا اللى هكسب الأستاذ جمال»، ولأن كسب ثقة الطفل بالنسبة للإخصائيين هو كل ما يسعى له فريق الوحدة المتنقلة، ليحكى الطفل عن خلفيته الاجتماعية والظروف التى أدت به إلى هذا المصير، يقول بيشوى عدلى الإخصائى النفسى، ربما يأخذ الأمر منا عدة جلسات حتى يثق الطفل بنا ويعتاد على زيارتنا بالوحدة، ومن أجل هذا يتجول الإخصائى المسئول عن النشاط بالشارع ومعه أدوات جذب لأى طفل، مثل الألعاب وأقلام التلوين وكرة القدم والألعاب السحرية وألعاب التركيز، حتى ينجذب لنا ونبدأ عملية البحث، وفى بعض الأحيان نأخذ الأطفال للحدائق العامة ونقيم لهم مباريات كرة قدم، ومن هنا يستريح الطفل لنا ويحكى عن ظروفه، ثم نعرض نحن عليه المزايا التى سيجدها فى دار الرعاية، أو نؤهله للعودة لأسرته حال وجودها.
وبعد جلوسنا فترة داخل الوحدة واللعب معاً مع «رشاد» بدأ فى التحدث إلينا قائلاً «نزلت الشارع من 2009، أمى اتوفت من وأنا لسه فى اللفة وبعدها بفترة أبويا هو كمان اتوفى، ومن ساعتها حياتى اتدمرت، وكنا قاعدين فى شقة بالإيجار لما أبويا مات صاحب الشقة أخدها وساعتها بقيت فى الشارع وساعتها نزلت مكان اسمه منيل، وكان هناك أطفال كتير شوارع موجودة هناك فقعدت معاهم وكنت فى مدرسة وسبتها»، وبعينين ممتلئتين بالدموع تابع قائلاً «بلم البلاستيك والكانز من الزبالة وأبيعها لبتوع الخردة وشفت فى الشارع اللى محدش شافه واتضحك عليا من العيال اللى فى الشارع وبقيت مدمن استروكس، كل يوم بشتغل مخصوص عشان بس أجيب تمنه وأشربه، بشرب فى اليوم أكتر من 150 جنيه»، وأضاف «نفسى أتعالج بس خايف من الشرطة، نفسى أحس إنى بنى آدم واتعلم حرفة وأعمل مشروع ويبقى ليا بيت زى زمان وأقدر اتجوز»، وقال بيشوى عدلى صالح، إخصائى نفسى مسئول الوحدة المتنقلة بالجيزة، إن عدد الوحدات متنوع من كل محافظة إلى أخرى على حسب الكثافة، ففى القاهرة هناك 4 وحدات متنقلة ووحدتان فى الجيزة ووحدة فى القليوبية وفى الإسكندرية 3 وحدات لوجود كثافة مرتفعة بها خاصة فى فترة الصيف، فالأطفال تنزح إليها فى فترة الصيف ثم يعودون فى الشتاء، وهناك وحدتان بالمنيا ووحدة فى بنى سويف ووحدة فى أسيوط ووحدة فى الشرقية ووحدة فى المنوفية وبهذا يكون لدينا 17 وحدة متنقلة على مستوى الجمهورية.
«بيشوى»: ليس كل طفل فى الشارع بلا مأوى.. فهناك طفل له بيت لكنه تركه.. ودورنا حل مشاكله مع أهله ورده إليهم.. و«عدنان»: من الصعب التحدث مع طفل شارع وننتهج طرق تعامل حديثة لكسب ثقته.. ونحاول تأهيل الأسرة حتى لا يهرب مرة أخرى
وأوضح «بيشوى» أن هناك ثلاثة أحجام من الوحدات المتنقلة، الصغيرة فى حجم الميكروباص وتشبه عربة الإسعاف والوسط فى حجم المينى باص «سعة 29 راكباً» والكبيرة فى حجم المينى باص «سعة 33 راكباً» لاختلاف سعة المناطق والأماكن التى تتحرك بداخلها هذه الوحدات، مضيفاً أن الطفل الموجود مع أسرته فى الشارع فأقصى دعم ممكن نقدمه له هو اللعب معه أو الرعاية الطبية إذا كان مصاباً أو التوعية، وأوضح أن الفريق الموجود فى هذه الوحدات متعاقد سنوياً مع وزارة التضامن، بشكل قابل للتجديد خاصة بهذا البرنامج فقط لحين انتهائه، وأضاف: معيار نجاحنا فى إيداع حالات أطفال داخل دور الرعاية أو تسليمها لأسرتها هو معيار نجاح منقوص، لأن الطفل فى حالات كثيرة يرجع للأسرة ثم يتركها ويعود للشارع مجدداً، فالنجاح يتوقف على استمرارية الطفل فى مكانه سواء داخل الأسرة أو فى دار الرعاية، وأكمل: «كل وحدة من الـ17 لها خط سير محدد يومى على مدار الشهر، وفى الغالب تكون كل وحدة غطت مناطقها كاملة على مدار الأسبوع دون تداخل الوحدات فى نفس الأماكن حتى لا يتم تشتيت الأطفال».
ويقول عدنان عبدالستار، الإخصائى الاجتماعى بالوحدة: «فريق الشارع عبارة عن أوتوبيس تم تصنيعه بشكل يجذب الأطفال ويزيل من ذاكرته تخوفه من سيارات الشرطة، ومقسم من الداخل إلى حجرة للنشاط، وشاشة عرض وبلاى ستيشن، وجزء لعمل الإخصائى النفسى مع الطفل لتأهيله مبدئياً للتعرف على مشكلته واتخاذ قرار عودته للمنزل أو إيداعه دار رعاية، وعيادة طبية تشمل سريراً وغلاية لتعقيم الأدوات الطبية وحقيبة إسعافات أولية»، وتابع عدنان قائلاً: «التحدث مع طفل من أطفال الشوارع ليس سهلاً، وننفذ طرقاً معينة حتى نستطيع كسب ثقتهم، وفى بداية التعامل مع الطفل لا نسأله عن اسمه أو سبب وجوده فى الشارع فالأهم لدينا هو كسر حاجز الخوف لديه حتى يسأل الطفل من نفسه عن كيفية التقرب إلى الوحدة».
وعن طبيعة العمل يقول: «نبدأ بالجلوس مع الطفل فترة من الوقت حتى لو طالت، ونقوم بالفحص الشامل له بشكل غير مباشر، ونمد جسوراً من الثقة والحب مع الطفل، وبالتالى نسعى إلى أن ينتظر الأطفال أنفسهم السيارة فى مواعيدها، وبعدها تبدأ جلسات الإعداد لنقل الطفل من الشارع والعمل على عودته أولاً للأسرة وفى الوقت نفسه نحاول تأهيل الأسرة حتى لا يضطر الطفل للهرب مرة أخرى».