ثمة سؤال أخير يتعلق بـ«ذمة» أبوالفتوح المالية، وهى -كما سنلاحظ- أوسع كثيراً من حدود مكتب الإرشاد. ففى مناظرته الشهيرة مع عمرو موسى أثناء انتخابات 2012 الرئاسية، التى أطاحت بكليهما، قال إن دخله الشهرى عشرة آلاف جنيه.. «يتقاضاها من أسرته»!. تخيّل: «من أسرته».. وكنا قاب قوسين أو أدنى من التسليم بـ«أهليته» لرئاسة مصر!
تخيّل أن اثنين من موظفى وزارة الدفاع القطرية يحملان الجنسية المصرية كانا يشاركان فى إدارة حملته الانتخابية، ويقيمان فى أحد فنادق وسط البلد! تخيّل أنه كان المرشح الوحيد الذى لديه مقر انتخابى فى الدوحة، وأن أحد الذين تكفلوا بتمويل حملته هو ذلك «الشىء المقرف»، داعية الخيانة والتحريض، «يوسف القرضاوى»، وأن هذا «القرضاوى» كان يؤيده ولم يكن يؤيد محمد مرسى فى البداية.. الأمر الذى جعل الإخوان يهاجمونه بضراوة، ويلعنونه فى مقالاتهم ومواقعهم الإلكترونية، لأنه «شقّ الصف» حسب اعتقادهم! تخيّل أنك استيقظت من نومك ذات يوم لتكتشف أن مصر -مصر التى حكمها من قبل طابور من العظماء، أحدهم وليس آخرهم جمال عبدالناصر- يحكمها «عاطل»، وظيفته فى البطاقة «عضو سابق فى مكتب إرشاد جماعة الإخوان»، لم يرتدِ بالطو أبيض فى حياته على الرغم من أنه خريج «طب»، وكان يعيش ويتقوّت من «عَرَق» أسرته، وسبق له الإقامة فى فيلا تملكها زوجته فى التجمع الخامس.. قبل أن تصبح لديه فيلا باسمه فى الحى نفسه، من حُرّ مال التنظيم الدولى ولجنة الإغاثة التى يرأسها!. أى نخوةٍ تلك؟.. وعلامَ إذن كل هذه العنطزة والغطرسة والتبجح ونفخة الصدر؟.. ومن أين يستمد هذا الـ«أبوالفتوح» ثقته بأنه يستطيع إدارة بلد مثل مصر وهو الذى لم يُدِر عيادة من قبل، ولا يستطيع أن يميز بين المصران الأعور وسحنة محمد مرسى!
أما دجاجة «أبوالفتوح» التى تبيض له ذهباً فهى بكل تأكيد «لجنة الإغاثة» التى يرأسها، وتتبع اتحاد الأطباء العرب الذى يشغل منصب أمينه العام. هذه اللجنة تعد «قناة سرية» لتوصيل أموال التنظيم الدولى إلى «إخوان مصر»، حيث كانوا وما زالوا يستخدمونها لتمويل نشاطاتهم السياسية قبل وأثناء حكمهم، ثم تمويل مسيراتهم التخريبية واعتصاماتهم المسلحة وأعمال العنف التى يرتكبها حلفاؤهم من البلطجية والتكفيريين والإرهابيين ضد الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى بعد ثورة 30 يونيو. ويتدفق إلى اللجنة نهر فلوس من هيئات ومؤسسات (وليس حكومات) عربية وإقليمية متعددة، كما تتمتع بصفة دبلوماسية تجعلها بعيدة عن رقابة الدولة، كونها تتبع جامعة الدول العربية. وتحت ستار تقديم الدعم المالى واللوجيستى إلى مسلمى الدول والمناطق المنكوبة.. مولت اللجنة حركات وتنظيمات إرهابية، على رأسها «حماس» بطبيعة الحال. لكن الأهم والأغرب أن اللجنة كانت تمول إعلانات واستغاثات تطالب بالإفراج عن «أبوالفتوح» قبل 25 يناير.
وفضلاً عن المزايا المادية والسياسية لما يمكن تسميته «بيزنس المناصب» الذى استحوذ على جُل اهتمام «أبوالفتوح» منذ تخرجه فى كلية الطب.. فإن هناك شبهة «استغلال نفوذ»، إذ كان يتم إرساء مناقصات لشركات أدوية فى مصر والدول العربية على اثنين من أبنائه باعتبارهما ممثلين لاتحاد الأطباء العرب، الذى يشغل «والدهما» منصب أمينه العام (لدى أبوالفتوح ثلاث إناث يعملن طبيبات، وثلاثة ذكور يعملون فى مجالات الهندسة والصيدلة والتجارة). كما أن شقيقه يملك شركة أدوية ومعدات طبية، ولديه أيضاً مدرستان استولى عليهما من «الجماعة» بعد انفصال «عبدالمنعم» عن «التنظيم». والمعروف أن الإخوان لا يسمون أموالهم أو ممتلكاتهم بأسماء كوادرهم، بل بأسماء أقاربهم، تفادياً للملاحقات الأمنية، وهو ما سهل مهمة «عبدالمنعم» عندما سُئل عن مصير هاتين المدرستين بعد انشقاقه، إذ رد بوضوح وبقلب مطمئن وضمير ميت: «أخويا مش عايز يجيبهم»!
هل فاتنى شىء من سيرة هذا «الأكذوبة»؟ إياك أن تقول حزب «مصر القوية»، فهذا ليس حزباً، ومصر التى يستهدفها ليست «القوية».. بل «الناعمة وطرية وكلها حنية» مثل مواقفه.
مصر التى يريدها «أبوالفتوح» وحزبه وإخوانه ونخبته المفتونة بالرهانات الخاسرة والفاشلة ليست «القوية»، بل المتسامحة والمتصالحة مع إرهاب جماعته.. الباكية على دماء القتلة والتكفيريين وأعداء الوطن.. القابعة فى جغرافيتها كجارية تنتظر دورها فى حرملك سلطان الخلافة الجديد «أردوغان».. الخارجة من تاريخها زحفاً لتعمل خادمة فى بلاط «آل ثانى»، سماسرة الخيانة وتجار الفضائح أباً عن جد.. تلك هى مصر التى يريدها «أبوالفتوح»!