كلما زرت بلداً أجنبياً أسعى لمعرفة أمرين بينهما قدر من التضاد، الأول هو: ثقافة البلد مع الابتعاد عن الجاليات المصرية والعربية، فظنى أنه من العبث الذهاب فى بلاد أجنبية إلى قهوة مصرية أو مطعم عربى أو الاستماع للأغانى التى أعرفها أو مشاهدة فنون غير تلك الخاصة بأهل البلد.. كل هذه الأمور قد يدفعنا إليها الحنين للوطن، وهو شعور يتولد من التغرب، لكن قضاء إجازة قصيرة أو تنفيذ مهمة عمل محدودة المدة لن يُولد هذا الحنين الذى يستدعى التعلق بأى شىء مصرى نجده على طريقة «أى حاجة تيجى من ريحة الحبايب».
الأمر الثانى الذى أفعله هو، على العكس، التنقيب فى الجالية المصرية نفسها عن النماذج المشرقة المشرفة التى تعمل كسفراء للوطن فى الخارج.. فالجالية المصرية فى أى بلد، مثل أى جالية أخرى، لديها مشكلاتها وشخصياتها الكرتونية ومدعو المعرفة وهواة الشهرة وفاقدو القيمة، إلا أن ثمة شخصيات تجبرك على احترامها، تلك التى تتفوق فى بلاد غريبة، ولا تقطع فى الوقت نفسه أواصر الصلة مع الوطن الأم، بل تقدم له يد العون والمساعدة، وتضع كل خبراتها تحت طلبه.. هذه هى الطيور المهاجرة التى تعمل كسفراء فى الخارج وخبراء فى الداخل.
خلال زيارتى السريعة هذا الشهر إلى الولايات المتحدة، تعرفت على مصرى مهم، هو السيد «محمود عبدالله»، الذى تنطبق عليه صفات كثيرة حميدة، تجعله فخراً لكل وطنى.. عرفت بالصدفة أن مصر حين احتاجت منذ سنوات لإصلاح وهيكلة قطاع التأمين، استعانت بالخبير المرموق «محمود عبدالله» الذى أصبح رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة مصر القابضة للتأمين، وانتهى بالفعل من مهمته.. قررت معرفة إنجازاته العملية، فازداد انبهاري به.. يشغل «محمود عبدالله» حالياً عضوية مجلس إدارة عدة شركات عالمية، منها شركة قابضة للتأمين متداولة فى بورصة نيويورك، وشركة قابضة للبترول فى زيوريخ بسويسرا، ومجلس إدارة المتروبوليتان أوبرا فى مدينة نيويورك، والمجلس الوطنى للفنون والعلوم فى جامعة جورج واشنطن، ومجلس إدارة الشرق الأوسط بجامعة براندايس فى ولاية ماساتشوستس الأمريكية.
هذا الرجل الستينى الموهوب، الذي لا يحب الظهور الإعلامي ويرفضه دوماً، هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة إحدى أهم شركات الاستثمار فى أمريكا، وهو مستشار لمؤسسة استثمارات المعاشات الأمريكية العامة، وعمل فى السابق مستشاراً لصندوق روكفلر براذرز ووكالة اليابان للتعاون، وعدد من المؤسسات المالية والاستشارية، وتجارب ناجحة في دول كثيرة مثل الصين والتشيك.. كما كان رئيساً تنفيذياً ورئيساً للعمليات الدولية فى الشركة الأمريكية لإعادة التأمين، وانتخب مرتين رئيساً لمجلس إدارة المجلس الدولى للتأمين فى الولايات المتحدة.
مصر تستعين الآن بهذا الخبير العالمي في عدة اتجاهات، فهو عضو اللجنة القومية لتطوير القاهرة التراثية والتي شكلها رئيس السيد الجمهورية، وعضواً كذلك في لجنة رفع كفاءة الجهاز الإداري التي كونها السيد رئيس مجلس الوزراء، وعضواً أيضاً في مجلس إدارة المتحف المصري الكبير.. وهو يقدم كل هذا وغيره الكثير دون أي مقابل.
«محمود عبدالله» نموذج مصري مشرف، نفخر به مثل مجدي يعقوب وهاني عازر وغيرهم كثيرون خرجوا من أرضنا الطيبة وبلغوا عنان السماء، لكن جذورهم لازالت في الوطن ترويها وطنيتهم التي لا تنضب.