التسجيل العقارى.. ثروة مصر الضائعة
مخاوف من تأثير الضريبة العقارية على سوق العقارات فى مصر
يعد غياب التسجيل العقارى من أهم معوقات الاستثمار فى مصر، وكذلك الاعتماد على تلك الوحدات كأصول، حيث تعد الثروة العقارية لمصر غير محددة، وهو ما يهدر مبالغ طائلة على خزينة الدولة بصفة سنوية، حيث بلغت 250 مليار جنيه عام 2017 وحدها. سواء كانت ضرائب عقارية أو رسوم تسجيل تلك العقارات، وأيضاً غياب المعلومات التى تقف عائقاً أمام حركة التنمية.
وأوضح خبراء عقاريون أن غياب التسجيل العقارى يتسبب فى صعوبة قياس معدل التضخم المتوقع فى الأسعار، المرتبط بزيادة معدل دوران الثروة العقارية، ما يؤدى إلى زيادة الطلب، وبالتالى رفع الأسعار التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى حد المضاربة، وذلك لعدم وجود آليات للإنذار المبكر لكشف حالات التلاعب بالأسعار.
عدم تسجيل العقارات يُهدر مليارات الجنيهات على خزانة الدولة ويُعرقل حركة التنمية
وأوضح أحد القانونيين أن التفاصيل الإدارية الكثيرة التى يمر بها المواطن فى سبيل تسجيل العقار، تعد السبب الرئيسى وراء عزوف المصريين عن تنفيذ تلك الخطوة. وفى دراسة حديثة أعدها المركز المصرى الاقتصادى، بعنوان «الثروة العقارية والتسجيل العينى»، وضع تصوراً لأهم العقبات المتعلقة بالتسجيل العقارى وأيضاً حلول مبتكرة مثل إنشاء رقم قومى عقارى جديد لكل الوحدات لمكافحة التهرب من التسجيل، وتحديد آلية استغلال العقار ضرورة لتحديد طبيعة المنطقة سواء صناعية أو تجارية أو سكنية، وعمل حصر شامل لعدد العقارات والوحدات الحقيقية ضرورة لتحديد الخدمات اللازمة لتغطية احتياجاتها، وضرورة إعادة الهيكل الإدارى للتسجيل العقارى، حتى يقتصر على كيان يجمع جميع الإدارات المعنية، وأيضاً تبسيط الإجراءات فى خطوتين فقط سواء عند نقل الملكية أو عند الحصول على تراخيص بناء.
دراسة: 250 مليار جنيه ضاعت على الدولة لغياب «التسجيل العقارى» خلال 2017 فقط
كشفت دراسة حديثة، أعدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، بعنوان «الثروة العقارية والتسجيل العينى»، والصادرة فى مايو الماضى، أن 250 مليار جنيه ضاعت على خزانة الدولة فى عام 2017 بسبب غياب التسجيل العقارى، بينما قامت الدولة بتحصيل 2 مليار جنيه فقط فى موازنة عام 2016- 2017.
وترجع الدراسة ذلك، لعدم وجود صفة الإلزامية القانونية من الدولة لإثبات الملكية العقارية، وعدم تطور إجراءات التسجيل وميكنتها بما يسمح بسرعة إنجاز التسجيل، وعدم توافر رقم قومى عقارى جغرافى موحد على مستوى الدولة، وتعدد الجهات المرتبطة بتسجيل العقارات.
الأزمة الكبرى التى تعانى منها مصر حالياً، غياب التسجيل، حيث يلجأ عادة المواطنون إلى الأبواب الخلفية للإثبات خارج نطاق التسجيل الرسمى، مثل العقود العرفية بين البائع والمشترى وسجلات إثبات الملكية داخل التجمعات السكنية الخاصة أو داخل أجهزة المجتمعات العمرانية الجديدة تعد كلها أبواباً خلفية لإثبات الملكية العقارية أو حلقات تداولها، بطريقة غير رسمية، بعيداً عن أعين الدولة، بحسب الدراسة.
توضح الدراسة أن الحصر العام للثروة العقارية، الذى بدأ منذ 2009 حتى 2018، لم تستطع مصلحة الضرائب العقارية الوصول إلى بيانات شبه دقيقة عن الملكية العقارية بوضعها الحالى، إما لتشتّتها أو اعتماد المجتمع على العقود العرفية، وبالتالى أصبح على الباحثين الذين يضعون قاعدة بيانات للثروة العقارية، بهدف تحديد الضريبة، أن يقوموا بالتحرى المباشر والحصر من الواقع، وهو أمر ليس سهلاً أيضاً، ويمثل صعوبة فى قياس معدل التضخم المتوقع فى الأسعار، المرتبط أيضاً بزيادة معدل دوران الثروة العقارية، بمعنى أننا فى مصر لا نستطيع أن نجزم، تحديداً بحركة البيع والشراء والعرض والطلب بين المواطنين، لأن التسجيل لا يتم بطريقة رسمية، وبالتالى قد يحدث رفع أسعار بصورة غير حقيقية، وقد تصل فى بعض الأحيان إلى حد المضاربة خاصة فى ظل غياب آليات للإنذار المبكر لكشف حالات التلاعب بالأسعار.
تقول الدراسة إن إثبات حركات التداول ونقل الملكيات يساعد الدولة على بناء مؤشر أسعار الثروة العقارية، ما يساعد على الأخذ بقيادة السوق العقارية، بل يعد نواة لإنشاء بورصة التداول العقارى، وهو أمر تنبهت له كثير من الدول المتقدمة، حيث أصبحت تعتمد على العقارات كأحد أهم الأصول الواجب استغلالها وتفعيلها لتعظيم العائد.
المواطنون يلجأون إلى الأبواب الخلفية لإثبات البيع والشراء بعقود عرفية خارج نطاق التسجيل الرسمية بعيداً عن أعين الدولة.. وغياب التسجيل الرسمى يؤثر على قياس معدل التضخم فى الأسعار ودوران الثروة العقارية وبالتالى يحدث غلاء بصورة غير حقيقية
وتستعرض الدراسة مؤشرات مهمة تتعلق بالضريبة العقارية، حيث تم تقدير الثروة العقارية إجمالياً على مستوى جمهورية مصر العربية فى 2010 بـ21 مليون وحدة، داخل الكتلة العمرانية الحضرية بمصر بقيمة 33.5 تريليون جنيه مصرى، ونسبة العقارات الخاضعة للضريبة العقارية تمثل من 10 إلى 15% من إجمالى العقارات المبنية.
ووفقاً للدراسة، فإن قيمة الضريبة الواجب تحصيلها عن العقارات نحو 10.5 مليار جنيه سنوياً وهو نفسه المستهدف من عام 2010، وبعد سبع سنوات، حيث إن قيمة الثروة تضاعفت عدة مرات، وتخطت حاجز الـ100 تريليون جنيه مصرى طبقاً للتقديرات الجديدة للثروة العقارية، قامت مصلحة الضرائب العقارية بتحصيل مبلغ 2 مليار جنيه فى موازنة 2017-2016، وهو أعلى حصيلة ضريبية تمت خلال تسع سنوات التى تم فيها إقرار قانون الضريبة العقارية.. هذا عن الضريبة العقارية فقط، وهى الإيراد السيادى الوحيد المفعل بشكل جزئى داخل قطاع الثروة العقارية، أما باقى الإيرادات السيادية فمنصوص عليها قانونياً لكنها غير مفعلة. وتوضح الدراسة تأثير غياب التسجيل العقارى على الاستفادة من الثروة العقارية، مستدلين على أنه فى عام 2008 عند صدور قانون الضريبة العقارية، قامت وزارة المالية ممثلة فى مصلحة الضرائب العقارية بالبدء فى بناء قاعدة بيانات الثروة العقارية وذلك بهدف حصر الثروة العقارية بمصر وتقديرها مالياً لأغراض فرض الضريبة العقارى، ومن هنا بدأ عمل أول قاعدة بيانات تخص الثروة العقارية، وهو أمر يخدم أهداف التخطيط القومى خاصة أننا فى مصر نعانى من غياب المعلومات.
ومن أهم تلك البيانات، كان معرفة طبيعة الوحدة العقارية، إذا كانت شقة أو فيلا، ومساحتها، وهل هى بنظام الملكية أو الاستغلال فقط، فمثلاً بعد حصر المناطق الإدارية بمصر وجد أن هناك عدد 41 كيلومتراً بمناطق عمرانية داخل أزمة إدارية مختلفة، بمعنى أن الكثافة عمرانية بهذه المناطق 5000 عقار فى الكيلومتر الواحد، وهو مؤشر يعكس خطورة الوضع القائم حالياً، حيث يعيش 175000 مواطن فى كم واحد.
وتقول الدراسة إن أهمية ذلك الحصر تكمن فى توفير معلومات لمتخذ القرار يمكن البناء عليه فى عمليات التخطيط القومى فى كافة القطاعات الخدمية، مثلاً النطاق الإدارى لقسم شرطة المرج، مدرج عليه 64659 عقاراً، وهذا يعنى نحو 450 ألف وحدة عقارية تقريبا، فى حين أن النطاق الإدارى لحى مصر الجديدة به 5757 عقاراً، أى نحو 40 ألف وحدة عقارية تقريباً، وهذا يعطى مؤشرات حول إذا ما كانت القوة الأمنية المطلوبة فى قسم شرطة المرج تساوى كماً ونوعاً القوة الأمنية المطلوبة فى قسم شرطة مصر الجديدة، أم لا، وهو أمر يشمل أيضاً كافة المحاور الخدمية من تعليم وصحة ومياه شرب وضمان اجتماعى وخلافه، وأيضاً معلومات عن مصدر ملكية تلك العقارات، سواء كانت تخص القطاع العائلى، متمثلاً فى الأفراد المصريين، أو الخاص، متمثلاً فى الشركات والكيانات الاقتصادية سواء مصرية أم أجنبية أم مشتركة، أو الأجانب، سواء أفراد أو هيئات دبلوماسية، أو القطاع الحكومى، متمثلاً فى الجهاز الإدارى للدولة، وقطاع «الأعمال العام» وهى الشركات المملوكة للدولة، ومن هنا يمكننا معرفة القطاع الأكثر استحواذاً على العقارات فى مصر.
وتضع الدراسة حلولاً جدية لحل أزمة التسجيل العقارى، وتحصرها فى عدم تشتت المواطن بين أكثر من جهة سواء وزارة العدل المتمثلة فى الشهر العقارى، وبين هيئة المساحة وغيرها، ولذلك لا بد من إنشاء الكيانات القومية التالية، وفق أى من البديلين التاليين:
البديل الأول: مفوضية (الهيئة العليا) للتسجيل العقارى وتنظيم البناء، وهى مفوضية يتم تأسيسها لتتبع مجلس الوزراء مباشرة وترأس الكيانات الأربعة، مرفق تنظيم إصدار تراخيص البناء، هيئة التسجيل العقارى العينى، البورصة العقارية، المجموعة الاقتصادية العقارية.
أما البديل الثانى، فهو إنشاء نفس الكيانات السابقة لكن ترتبط فيما بينها من خلال قاعدة بيانات رقمية ودورات عمل مميكنة تكنولوجياً، وهذا البديل قد يواجه مخاطر التكامل والترابط بين الكيانات الحكومية ومشاكل توحيد قاعدة البيانات والإجراءات تحت هياكل إدارية مختلفة ومتعددة. وأوضحت الدراسة أنه من الضرورى الاعتماد على الميكنة والتكنولوجيا الحديثة، فى إجراءات تسجيل العقار، وإصدار رقم قومى عقارى للوحدات التى كانت مسجلة من قبل، حتى تشتمل المنظومة الجديدة على حصر شامل لكافة العقارات. وفيما يتعلق بالتداول العقارى، وهو إثبات تداول الملكية للوحدات العقارية بين الأفراد أو الكيانات، فيما يعرف بنقل الملكية العقارية، يمكن اختزال كافة إجراءاته فى مرحلتين: أولهما يتم فيها نقل الملكية بموجب وثائق صلاحية الوحدة للتداول، وقد يتم بتغيير الملكية مع حظر البيع إلا بعد الرجوع للمالك الأول فى حالة عدم سداد كامل قيمة الوحدة، وأى شروط أخرى تضمن حماية حقوق الطرفين.
أما الخطوة الثانية، فيتم فيها نقل الملكية بموجب العقود المسجلة بالشروط والأحكام الواردة بها، شاملاً شروط السداد وأحكامه المتفق عليها بين الطرفين، وتختتم الدراسة بأن هذه التعديلات لا بد من تقنينها بموعد زمنى، بمعنى أنها تدخل حيز التنفيذ بعد سنتين مثلاً من تاريخ إقرارها من السلطة التشريعية.