النحاس.. النقش بين جمال الفن واندثار الحرفة
النقش على النحاس مهنة فى طريقها إلى الاندثار
40 عاماً لم يفارق خلالها عمله فى «النقش على النحاس»، فمنذ أن ترك مدرسته فى المرحلة الإعدادية، قرر الانضمام إلى «الصبية» لتعلم حرفة، كان يراها يومياً فى طريق ذهابه إلى المدرسة ولعبه مع أصدقائه فى الشارع، وهو ما جعل «حسن أحمد محمد» أو «محمد الجارحى» بحسب لقبه الذى اشتهر به بين صنايعية حرفته، يتعلق بالمهنة ويريد الغوص فى خباياها ومعرفة أسرار حرفة اكتفى «أسطواتها» بالجلوس على مقعد والدقدقة على لوح نحاسى بقلم وشاكوش حديدى.
يجلس الرجل الخمسينى على مقعد خشبى وأمامه طاولة خشبية عليها قطعة من النحاس، قام بتثبيتها بإحكام على قطعة كبيرة مستديرة حجرية، يستخدم البرجل المعدنى فى رسم دائرة كبيرة وداخلها نصف دوائر متعددة، حتى ينتهى من التصميم الخاص به، يمسك بقلم النقش ويبدأ فى الطرق عليه بالشاكوش مستغرقاً فى عمله منعزلاً عن عالمه: «زمان كانت المهنة فيها أسطوات كتير 100 و200 واحد وكلنا عارفين أساميهم وشغلهم لكن حالياً مابقاش فى حد يتعلم».
عاملان رئيسيان يراهما «الجارحى» سبباً فى عدم تعلم الحرفة، أولهما يعود إلى بدايات دخول «التوك توك» إلى مصر وانصراف الشباب عن تعلم الحرف مقابل العمل على «توك توك» يدخل جيوبهم يومياً ما بين 50 و100 جنيه، قائلاً: «منه لله التوك توك دا مش بس أذى على الشباب لأ دا كمان أذى الدولة، مابقاش فى حد من الشباب عنده صبر يقعد يتعلم له حرفة يفيد بها نفسه ويبقى شخص منتج لبلده».
«الجارحى»: «التوك توك» سبب ابتعاد الشباب عن تعلم الحرف اليدوية
العامل الثانى الذى يراه الحرفى الخمسينى سبباً فى عدم الإقبال على تعلم الحرف اليدوية بشكل عام وليس حرفته فقط هو غياب الاهتمام بالتعليم الفنى فى مصر: «محتاجين الدولة تهتم بالتعليم الفنى لأنه هو اللى هينهض بيها، لو الطالب دخل ثانوى فنى واختار مهنة، ومركز زى الفسطاط استضافه وخلاه يتعلم الحرفة عملى على إيد أسطوات الحرفة، هنطلع جيل فاهم أصول حرفته عملى ونظرى وهيقدر يدى بلده وقبل كل ده يفيد نفسه بأنه يكون شخص منتج». وحول أسس تعلم المهنة، يقول «الجارحى»: «أهم حاجة إن الشاب يكون حابب المهنة وعايز يكمل فيها وأول حاجة باعلمها له هى ماسكة القلم، وعشان الشاب يتعلم صح مش أقل من تدريب وشغل 3 سنين، أما الورش اللى بتكون يوم و10 أيام وشهر بتكون غير مجزية بالمرة ولا يمكن الاعتماد عليها فى تعليم الحرفة».
كما تعلم المهنة، علم «الجارحى» ولديه أصولها، وكذلك ابنته التى كانت تعشق المهنة وكانت تعمل بها فى المنزل قبل زواجها مردداً: «ولادى الاتنين اتعلموها لكن بنتى كانت غاوياها أكتر، لدرجة إن لو فى حاجة فى الشغل عندى ناقصة كانت تاخد بالها، لكن زواجها وانشغالها بالأطفال جعلها تبتعد عنها».