بيزنس «الناشط السياسى».. كلمة السر بعد أحداث «25 يناير»
زيادة وبكري
مع فراغ الحياة السياسية، على الرغم من زيادة عدد الأحزاب بعد ثورة 25 يناير إلى أكثر من 100 حزب، لكنها لم تتمكن، من إقناع الجماهير بالانخراط فيها أو التفاعل معها، مرت من هنا جحافل الجماعات الدينية والاشتراكيين والناصريين والليبراليين، لكن لا تجد لها أثراً، وظلت غالبية الأحزاب بقيادتها وكوادرها تقف كالمتفرج من بعيد، حتى بدأ لقب «الناشط السياسى» يتبلور فى الأفق، ووجد عشرات الشباب أنفسهم أمام الكاميرات المسلطة عليهم تطلب منهم أن يتحدثوا عن أهدافهم وأن يفسروا ما يحدث فى الشارع.
صراخ على شاشات التليفزيون وتهويل على واجهات الصحف، هكذا جاء كثير من الوجوه على الساحة يحملون صفة «نشطاء سياسيين»، أبرزهم أحمد دومة ونوارة نجم وعلاء عبدالفتاح ووائل غنيم وإسراء عبدالفتاح وأسماء محفوظ، الذين احتلوا الشاشات آنذاك يملأون الدنيا ضجيجاً عن فساد السلطة وغياب الحريات، ثم انطفأت الأضواء واختفت هذه الأسماء فى الضباب، وظهرت مجموعة جديدة من هذه الشريحة التى تحمل صفة «ناشط سياسى» أثاروا الذعر فى الشارع بسبب القنابل البدائية، وتسببوا فى إرباك المشهد، وإخافة المصريين من المستقبل.
النائب مصطفى بكرى، عضو لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، قال لـ«الوطن»، إن هذه الظاهرة تفشت بعد 25 يناير وإن كانت موجودة قبل ذلك فى شكل منظمات ونشطاء المجتمع المدنى، والذين كانوا يمارسون هواية المتاجرة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتشدق بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، على أمل تلقى المزيد من التمويلات الخارجية، وكان ذلك واضحاً ومكشوفاً، لأن التقارير التى كانت تقدمها تلك المنظمات والشخصيات، إلى المنظمات الرئاسية، مثل المعهد الجمهورى الدولى، وبيت الحرية الأمريكى، وغيرهما من المنظمات، كانت معادية لمصر على الدوام.
«بكرى»: السبوبة أصبحت عنوان الحياة السياسية.. والكل يتاجر ولا يهمه إن تعرض هذا الوطن للاغتصاب.. و«صادق»: مهنة من لا مهنة له
وأضاف «بكرى»، لـ«الوطن»، إن هناك «سبوبة» أخرى انتهجها هؤلاء ما بعد ثورة يناير، وهى سبوبة ضحايا ومصابى الثورة، ما ترتب عليه رواج بعض الشخصيات كـ«إسراء عبدالفتاح، وأسماء محفوظ»، وغيرهما، للحديث فى الإعلام حول أوضاع حقوق الإنسان، والمتاجرة بشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، والدعوة إلى المظاهرات المليونية.
وتابع: «كل ذلك كان يعطى مؤشراً على ظهور فن جديد من فنون المتاجرة بآلام وآمال الناس، واستغلال الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وخلخلة أرجاء البلاد فى وقت صعب وحرج، ورأينا بوتيكات ودكاكين حقوق الإنسان منتشرة فى ربوع الوطن».
وأشار إلى أن لجنة تقصى الحقائق التى تشكلت فى صيف 2011 كشفت تلقى هؤلاء مبالغ تقدر بـ«مليار» و200 ألف جنيه، لتخريب الدولة وركوب موجة الثورة، واستغلال حالة الزخم الشعبى فى تحريض الناس على القوات المسلحة، وهو ما أظهرته هتافات يسقط يسقط حكم العسكر إبان الفترة الانتقالية التى تولى فيها المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى تسيير أمور الدولة.
وحذر «بكرى» من غض الطرف عن هؤلاء، لأنهم «ما زالوا موجودين» بيننا، قائلاً إن السبوبة أصبحت عنواناً لحياتنا السياسية، الكل يتاجر بعرض الوطن، ولا يهمه إن تعرض هذا الوطن للاغتصاب، مُضيفاً: «هناك من يقدمون أنفسهم كرعاة لحرية الرأى والتعبير، ويتم تكريمهم خارج البلاد، تشجيعاً لهم على الاستمرار فى إثارة المشاكل والفتن بين الدولة بمؤسساتها من جانب، والمواطن المصرى من جانب آخر.
ومن رحم الحراك الشعبى فى الشارع المصرى والغياب الحزبى، ظهر هؤلاء بشكل كبير غير مفهوم، كما تقول داليا زيادة، مدير المركز المصرى لدراسات الديمقراطية الحرة، مؤكدة أن معظم من أطلق عليه هذه الصفة لم تكن لديه سابقة أعمال سياسية يعتد بها، حيث كان الإعلام يبحث عن طريقة ما لتوصيفهم كى يظهروا للمشاهدين، ووجد أن أقرب شىء هو مصطلح «ناشط سياسى»، وتطور الأمر واتخذ أبعاداً جديدة وظهرت تسميات أخرى على هذا النهج، مثل الناشط الحقوقى وغيره من التوصيفات التى تطلق على شخصيات لا تعرف ما وظيفتهم الحقيقية.
وأضافت «زيادة» لـ«الوطن»، أن هذا الهوس والفنكوش بدأ من الإعلام الغربى الذى ينقل الأحداث فى مصر، حيث كان يحتاج أنه يقدم شخصيات تمثل الثورة المصرية، وكانت 25 يناير ثورة شعب، ولا يوجد رموز لها، وبالتالى تم اختراع مصطلح ناشط سياسى. وتابعت: «ساعد على الترويج أكثر لهذه المصطلحات حالة الفراغ التى كانت فى الإعلام، وفتح المجال أكثر أمام هذه (السبوبة) قناة الجزيرة القطرية كانت تختار هؤلاء وتعطيهم المساحة على اعتبارهم نشطاء سياسيين، حتى وصل الحال إلى أن أى شخص ليس له وظيفة وغير مؤهل يقول إنه ناشط سياسى».
وأكدت «زيادة» أن ظاهرة الناشط السياسى تسببت فى ارباك المشهد، ولكن بعد ما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، بدأت تكون هناك سياسة إعلامية واضحة وتم إصلاح المشهد إلى حد ما، حيث كان رجل الشارع العادى يستهلك أى معلومة تعطى له على أنها حقيقة، لكن حالياً أصبح لديه نضج ويستطيع أن يقيّم المعلومة.
وأكملت أن التحدى الأكبر الذى يواجه الدولة من بعد ثورة 25 يناير هو إصلاح المشهد الحزبى فى مصر، فهناك عدد كبير من الشباب متلهف للمشاركة السياسية الفاعلة ولكن الكيانات الموجودة لا تجذب هؤلاء الشباب، فأصبح أغلبهم يعمل مع نفسه باستخدام مصطلح «ناشط سياسى»، وعدم قدرة الأحزاب على استيعاب هؤلاء الشباب هو من وصل بنا إلى وجود هذا التشتت، فضلاً عن فتح الباب لأصحاب السبوبة للظهور باستخدام مثل هذه المصطلحات.
«مهنة من لا مهنة له»، كما يوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، مفهوم مصطلح «ناشط سياسى» الذى انتشر كالنار فى الهشيم خلال السنوات الأخيرة، ويضيف أن السبب الرئيسى فى ظهور هؤلاء الأشخاص هو الإعلام الذى كان يبحث آنذاك عن الفرقعة وتسخين الأجواء والتضخيم من الحدث.
وأكد «صادق» أن صفة «الناشط السياسى» ظهرت فى كثير من دول العالم، لكنها أطلقت على شخصيات مؤهلة سياسياً وتمكّنت من إحداث تغيير فى بلدانها، ومنخرطة فى العمل السياسى من خلال فكر وعقيدة ورؤية واضحة، ولكن تم استغلال هذه الصفة فى مصر لتحقيق مكاسب سياسية من خلال الاحتجاجات والمظاهرات.
وتابع «صادق» أن قنوات الإخوان، وعلى رأسها «الجزيرة» هى من فتحت الباب أمام هذه السبوبة وبدأت تستضيف أشخاصاً ليس لهم أى علاقة بالسياسة ولا سابق أعمال تذكر ولا لديهم فكر ولا رؤية لأغراض معينة وشحن الأجواء، ثم تحول الأمر بعد ذلك لكثير من الناس الذين يبحثون عن الارتزاق والشهرة والمكسب المادى.
صفة تعبر عن تيار اجتماعى من خلال حزب له خطاب واضح يعكس مطالبه وأهدافه، هكذا يعرّف الدكتور أيمن عبدالوهاب، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مصطلح «ناشط سياسى»، ويضيف أنه شخص يمتلك خبرة سياسية طويلة، وله دور معترف به فى الواقع السياسى، وينتمى لتيارات وقوى سياسية وحركات اجتماعية وتكون له مواقف واضحة.
وتابع «عبدالوهاب» أن الأمر تحول مع توالى الأحداث وسخونتها إلى مجرد ادعاء كاذب ومظاهر فارغة وتحول إلى مهنة بمقابل مادى وأغلب من أطلق عليهم نشطاء سياسيين ليس لديهم أى مؤهل أو عمل سياسى سابق. ويرى أن هذه الظاهرة فى طريقها إلى الزوال، لأن الرأى العام أصبح مدركاً لما يحدث على أرض الواقع، منوهاً بأن هذه الظاهرة تسببت فى إرباك المشهد كله، وإضعاف الحركة التى كانت تطالب بالديمقراطية.