«فرويز»: الشباب يعانى انعدام القيم الاجتماعية.. وانفتاح السبعينات جعل الولاء لـ«الجنيه»
الدكتور جمال فرويز
قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، إن جيل الشباب الحالى يعانى من انعدام المثل والقيم الاجتماعية، وتراجع الولاء والانتماء للوطن. وأضاف، فى حواره لـ«الوطن»، أن الانفتاح الاقتصادى فى سبعينات القرن الماضى، جعل الولاء لـ«الجنيه»، مُحذراً من استمرار هذا الوضع دون تدخل من الدولة، بقوله: «المقبل أسوأ ونحن فى منتصف طريق الانهيار، وعلى الدولة أن تتنبه لخطورة الانحدار الأخلاقى»، وأوضح أننا نعيش زمن المسخ الثقافى ونتعامل بمبدأ «معاك قرش تساوى قرش»، لافتاً إلى أنه فى الماضى كانت «السمعة تساوى فلوس»، وشدد على ضرورة سيطرة الدولة على الإعلام المرئى 8 سنوات، وحجب مواقع التواصل الاجتماعى لأنها «استخباراتية وتهدف لتدمير المجتمعات ذاتياً»، مؤكداً أن هذه هى الحلول المتاحة قبل فوات الأوان. وإلى نص الحوار...
ما أبرز الملامح النفسية لجيل الشباب؟
- إذا نظرت بتمعن ستجد أن الملمح الأبرز لهذا الجيل هو انعدام المُثل العليا، وتراجع قيمتَى الولاء والانتماء، فالمُثل العليا بدأت تقل كثيراً إذا ما وضعناها فى مقارنة مع الأجيال السابقة، ففى أجيال الخمسينات والستينات كان الولاء للوطن هو القيمة الأعلى بين الجميع، لكن منذ الانفتاح الاقتصادى منتصف السبعينات، أصبح الانتماء لـ«لجنيه» هو الأساس وليس القيم، وتراجعت مسألة الحلال والحرام، ولم يعد هناك رادع ذاتى ينبع من داخل الإنسان، واختلت المعايير والمقاييس.
أستاذ الطب النفسى: المقبل أسوأ ونحن فى منتصف طريق الانهيار.. وعلى الدولة الانتباه لانحدار الأخلاق
لكن ألا يكون هناك رادع من الضمير؟
- لا يوجد مكان أو مجال للحديث عن الضمير، فقد تراجع هو الآخر، وإليك مثال الشخص الذى يحصل على رشاوى لتمرير قرارات أو تخليص مصالح بطرق غير مشروعة، هو لا يفكر فى أنه قد حصل على رشوة، وأن هذا الأمر غير مقبول دينياً وأخلاقياً، بل ينظر إليها على أنها هدية، و«النبى قبل الهدية»، وتجد وزيراً فاسداً يحصل على تسهيلات للحج هو وأسرته وحبايبه على نفقة الدولة، ويحظى بعضوية الأندية مستغلاً نفوذه، ولا ينظر للأمر على أنه اختلاس أو تربح. وأزمتنا الكبرى فى هذه الأيام ما يعرف بـ«التباين بين الدين الظاهرى والدين الحقيقى»، فاهتمامنا أصبح منصباً على المظاهر فقط. ويؤسفنى القول إن المقبل أسوأ، ونحن لا نزال فى منتصف طريق الانهيار، وأتمنى أن تنتبه الدولة قبل أن يصل الانحدار الأخلاقى إلى حد السرقة والقتل للحصول على المال، وعدم النظر إلى ذلك على أنه جريمة.
لماذا طغى على هذا الجيل الشغف بالمال وتقديمه على أمور كثيرة؟
- كنا قديماً نسمع عن أخلاق ابن البلد، وجدعنة بنت البلد، وأخلاق وشهامة المصريين، النهارده «معاك قرش تساوى قرش»، فى السابق كانت السمعة تساوى فلوس، يكفى أن تقول فلان ابن الحاج فلان، دون النظر إلى ما يملكه هذا الشخص من مال، لكن أصبحنا نرى الطبيب يغش مريضه، ونسى القسم الذى أقسمه عند تخرجه فى كلية الطب، والمهندس الذى يغش فى مكونات البناء هو أيضاً تناسى أنه يعرض أرواح الناس وأموالهم للخطر، ويمكننى أن أقول بكل راحة، إننا نعيش زمن المسخ الثقافى، ولو استمر الحال بنا فى هذا الطريق، سنكون أعداء أنفسنا، وسنقضى على وطننا بأيدينا.
نعيش زمن المسخ الثقافى ونتعامل بمبدأ «معاك قرش تساوى قرش» وفى الماضى كانت السمعة تساوى «فلوس».. ويجب أن تسيطر الدولة على الإعلام المرئى 8 سنوات
هل انعكست التغيرات الاقتصادية التى تبعت ثورات الربيع العربى على المكون القيمى لدى الشباب؟
- بكل تأكيد، لكن هذه التغيرات ليست الأساس، البداية كانت فى السبعينات من القرن الماضى، وأحداث الربيع العربى وتوابعها عجلت قليلاً بالانهيار المنتظر، ففى علم النفس هناك ما يطلق عليه الشخصية «السيكوباتية»، وتتميز هذه الشخصية بانعدام المثل والقيم والمشاعر، والميل نحو الانحراف والتخريب والتدمير، هؤلاء بيننا فى كل وقت، لكنهم كانوا خائفين من حبيب العادلى وقبضته الأمنية، وحينما اختفت قوات الشرطة فى الثورة، خرج السيكوباتيون إلى الشوارع وعاثوا فى الأرض فساداً ونهباً وتخريباً، ولم يكونوا مسجلين جنائياً، لهذا صعب السيطرة عليهم، ولكن بمجرد عودة الشرطة وتعافى المنظومة الأمنية، اختفى هؤلاء، لكنهم سيعودون عندما تسنح الفرصة.
ولماذا طغت فكرة السبوبة على العلاقات بالأصدقاء والأسرة؟
- الانهيار الثقافى الذى نعيشه أدى لكل ما نراه فى المجتمع من سلبيات وأمراض اجتماعية، نفس القصة تتكرر، وكل هذا بسبب وجود مسخ ثقافى مسيطر على المشهد، وهنا أود أن أنبه الدولة، إن لم تضع فى الحسبان بناء الإنسان قبل بناء المدن، وإصلاح الثقافة قبل إصلاح الاقتصاد، فإننا سنندم لكن فى وقت لن يجدى الندم فيه نفعاً، وعلى المسئولين فى الدولة أن يتنبهوا لخطورة مواقع التواصل الاجتماعى المجانية، لماذا هى مجانية من الأساس، وما الهدف منها؟
وما هى «روشتة» عودة العلاقات الاجتماعية لتقوم على الحب والتعاون بعيداً عن المصلحة؟
- ليس هناك حل سحرى، أو أن يتم ذلك فى وقت قصير، لكن إن كانت هناك رغبة جادة من الدولة فى معالجة هذا الخلل، فعليها أولاً أن تدمج وزارة الثقافة مع المؤسسات والهيئات المسئولة عن الإعلام، تحت اسم وزارة الإرشاد القومى، والسيطرة على الإعلام المرئى 8 سنوات على الأقل، وحجب مواقع التواصل الاجتماعى.