«إصلاح الاقتصاد» يطغى على ضجيج السياسة
صورة أرشيفية
الأرشيف سلاح لاغنى عنه للصحفى، به يستعين فى المقارنات بين ما كان وما هو كائن، وربما ما سيكون، فالواقع يقول إنه لا يمكن الحكم على الحاضر، دون الرجوع خطوة أو خطوات إلى الوراء لاستكشاف مظاهر التغيير، ودلالات التقدم والتطور، أو مظاهر الانتكاس.
قبل نحو عامين تقريباً، كانت الأزمات تلاحق الاقتصاد المصرى المتردى بفعل تبعات فترة ما بعد الثورة، وهى الأزمات التى تجلت بوضوح فى مشكلة الندرة الحادة فى العملة الأجنبية وصعوبة ممارسة الأعمال نتيجة عدم قدرة العديد من أصحاب المشروعات فى تدبير احتياجاتها من العملة، خلال تلك الفترة لم يكن من سؤال لدى المستثمرين الأجانب سوى: ما الذى ستفعله الدولة لحل أزمات الاقتصاد المصرى القائمة؟، وهو السؤال الذى كان حاضراً وبقوة خلال اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسى مع قيادات الشركات الأمريكية على هامش أول مشاركة له فى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى سبتمبر 2016.
«الوطن» ترصد من واشنطن: قراءة أمريكية فى ملفات مصرية
بعد ذلك التاريخ بنحو شهرين تغيرت الأمور تماماً، عقب إعلان الحكومة تطبيقها برنامج «الإصلاح الاقتصادى» بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى. خلال اجتماعات متعددة ومتنوعة عقدتها بعثة «طرق الأبواب» التى نظمتها غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة إلى واشنطن منتصف شهر مارس، كانت دلالات «الرضا العام» لدى مجتمع الأعمال الأمريكى والمؤسسات الدولية واضحة بشدة بشأن ما حدث فى الاقتصاد المصرى، وقرارات «الهيكلة» التى تم اتخاذها بموجب الاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر 2016، وهى القرارات التى يرى كثيرون أنها بدأت تؤتى ثمارها ولو نسبياً فى الآونة الأخيرة. فى المقابل خلت النبرة الأمريكية -فى أغلب الدوائر- من حدتها التى كانت سائدة فيما يتعلق بالملفات السياسية التى كان بعضها يمثل حجر عثرة أمام العلاقات بين القاهرة وواشنطن، بخاصة خلال فترة إدارة أوباما.. «الوطن» رصدت خلال رحلتها مع البعثة المصرية مشاهد عدة على المستوى الاقتصادى والسياسى فى السطور التالية.
ترحيب واسع ببرنامج «الإصلاح الاقتصادى المصرى».. وتلاشى ملفات الإخوان وانتقادات «حقوق الإنسان».. والتعاون مع «النقد الدولى» محل إعجاب أمريكى
برنامج الإصلاح.. قصص نجاح لم يكتب لها التسويق الجيد
فى العاصمة الأمريكية، واشنطن، موطن الحل والعقد، وقلعة السياسة العالمية، لا حديث لدى المواطن الأمريكى سوى عن قرارات ترامب المثيرة والمزعجة، وتأثيراتها على مستقبله كرئيس، بينما وبالتوازى مع الأجواء الساخنة داخلياً فى الشارع الأمريكى، كان حديث الاقتصاد هو الأبرز والأكثر حضوراً على أغلب اجتماعات ومناقشات بعثة «طرق الأبواب»، بينما غابت الملفات الشائكة التى اعتاد كثير من رجال الكونجرس ومراكز الفكر وبعض دوائر صناعة القرار فى الإدارة الأمريكية إثارتها، وفى المقدمة منها ملف «حقوق الإنسان».
نحو 89 اجتماعاً عقدها وفد البعثة رقم 41، مع مختلف التيارات وممثلى السياسة والاقتصاد فى الولايات المتحدة، منها 53 اجتماعاً مع أعضاء بالكونجرس و5 لقاءات بالمؤسسات الدولية، و16 لقاءً بمراكز الأبحاث، فضلاً عن لقاءات بوزارات الخارجية، الدفاع، الخزانة، التجارة، والطاقة الأمريكية. كان برنامج الإصلاح الاقتصادى حاضراً بقوة فى أغلب تلك الاجتماعات، وكانت الإشادات من جانب كبير داخل مجتمع الأعمال الأمريكى ظاهرة بشأن ما تم «إنجازه» واتخاذه من «قرارات صعبة وجريئة» على مدار العام ونصف العام الماضيين، غير أن ملمحاً مهماً كان أكثر وضوحاً فى تلك الاجتماعات، وهو «غياب التسويق» والترويج لتلك «الإصلاحات»، وهو ما عبر عنه طارق توفيق رئيس الغرفة الأمريكية خلال أحد اللقاءات التى عقدت فى إطار استعراض فرص الاستثمار فى مصر.
«توفيق» أكد أن التحول الذى حدث فى قطاع مثل الصناعة على سبيل المثال «يعكس وجود قصة نجاح مصرية لم يكن أحد يتصور قبل عامين حدوثها»، لكنه أكد فى الوقت ذاته أن مصر لا تجيد تقديم نفسها إلى الدوائر الخارجية المختلفة، رغم أن لديها ما تقوله على صعيد إصلاح بيئة الأعمال وإصلاح سعر الصرف وتوفير الطاقة بل ومضاعفتها خلال عامين، فضلاً عن زيادة الصادرات وتأسيس بنية تحتية عصرية وتقليل زمن إصدار التراخيص وتحسين البيئة التشريعية الحاكمة للاستثمار واستعادة حيوية الحركة السياحية.
«توفيق»: الإصلاحات المصرية «حدث غير مسبوق» والبيروقراطية أبرز العقبات
الأمر كان واضحاً فى تعليقات عدد كبير من الذين حضروا إحدى الجلسات التى عقدتها جامعة «جون هوبكينز» عن الاستثمار فى مصر، حيث اعتبر عدد من الحاضرين أن مصر لديها قصص نجاح، لكنها لم تستفد من تجارب دول مثل جنوب أفريقيا والمكسيك والإمارات فى الترويج لتلك القصص، بما يخدم الاستثمار والاقتصاد المصرى، لكن كان هناك من يرى أن عملية التسويق تلك يجب أن تسير فى اتجاهين متوازيين، فوفقاً لما قالته داليا شريف عضو بعثة «طرق الأبواب»، فإن هناك الكثير من قصص النجاح فى مجال ريادة الأعمال بمصر، وجميعها قصص يجب أن يتم إبرازها، رافضة القول بأن الحكومة المصرية لم تتمكن من تسويق الإصلاحات الاقتصادية فى الخارج، قائلة: إن مصر تحاول التسويق لقصص النجاح، والغرفة الأمريكية تقوم بجزء من ذلك، لكن الأمر يجب أن يسير فى اتجاهين، الأول من خلال الحكومة المصرية التى من دورها القيام بالتسويق لما يحدث وإبرازه، والثانى من خلال المستثمرين الأجانب أنفسهم الذين يجب أن يبذلوا المزيد للتعرف على التجربة الحالية فى مصر.
وعلى الرغم من أن جميع الآراء داخل مجتمع الأعمال المصرى والأمريكى على حد سواء تكاد تجمع على وجود «إصلاحات حقيقية»، غير أن الإجماع نفسه يشير إلى وجود عقبات غير قليلة ما زالت تواجه تلك الإصلاحات، أبرزها وأهمها «البيروقراطية المصرية»، فمعظم من يتعاملون مع الحكومة المصرية يشكون من عدم وصول قرارات الإصلاح إلى صفوف العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، أو بتعبير آخر «الإصلاحات» لم تتجاوز الصف الأول فى صفوف الحكومة الممثل فى الوزراء ومساعديهم ورؤساء الهيئات فقط، لكنها لم تصل بعد إلى عقلية الصفوف الوسطى والدنيا فى سلسلة البيروقراطية المصرية، وهو الأمر الذى يرى كثيرون أنه يتطلب تركيزاً كبيراً من جانب الدولة خلال الفترة المقبلة، والرهان فيه على قانون الخدمة المدنية.
رسالة المؤسسات الدولية: استمروا فى الإصلاح واصبروا
عندما أبرمت الحكومة اتفاقها مع صندوق النقد الدولى كانت الحجة الأساسية التى ساقها المسئولون هى «الحصول على شهادة ثقة دولية من أجل دعم الاقتصاد المصرى»، وليس الحصول على قرض الصندوق فى المقام الأول. الآن يبدو أن الحكومة حققت الغرض الأساسى من الاتفاق.
فالتقارير الدولية المتعددة التى صدرت منذ قرارات «الإصلاح» لم تتوقف عن الإشادة بـ«الإيجابيات والإنجازات» التى حققها الاقتصاد المصرى على مدار الفترة الماضية، ورغم «قسوة» الإجراءات المتخذة، وآثارها السلبية على الطبقات الوسطى والدنيا، إلا أن المؤسسات الدولية التى التقيناها فى واشنطن كان لديها نصيحة واضحة ومحددة مفادها «استمروا واصبروا».
وبحسب ما قاله سوبير لال، رئيس بعثة صندوق النقد إلى مصر، فإن هناك تقدماً كبيراً فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، واعتبر أن تراجع معدلات التضخم منذ شهرى سبتمبر ويناير الماضيين أمر إيجابى للغاية.
وأكد «لال» أن التدابير التى تم اتخاذها لإصلاح دعم الوقود والإصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلى أطلقت الموارد الحكومية من أجل تمويل برامج الإنفاق الاجتماعى، موضحاً أن ما تقوم به الحكومة حالياً بمثابة تصحيح للاختلالات من شأنه وضع الاقتصاد المصرى على أسس سليمة يمكن البناء عليها لتوسيع نطاق الإصلاح الاقتصادى.
مطالب للحكومة بإرساء «الحوكمة» و«الشفافية» لتحسين إدارة أصول الدولة
وأشار «لال» إلى أن مصر تحتاج إلى خلق 700 ألف وظيفة سنوياً فى ظل معدلات الزيادة السكانية الحالية، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً أمام الحكومة، لافتاً إلى أن توفير فرص العمل ينبغى أن يكون عبر القطاع الخاص، وإتاحة المجال والفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها القاطرة الاقتصادية للدول النامية والمتقدمة.
رئيس بعثة الصندوق اعتبر أن هناك إصلاحات عميقة وداعمة للسوق تحدث الآن فى مصر، وشدد على أهمية تصميم جهود الإصلاح لدعم القطاع الخاص بقدر يلبى التطلعات.
الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح كانت محوراً حاضراً فى حديث أغلب المؤسسات الدولية بواشنطن، والتى اعتبر القائمون عليها أن ما حدث عبارة عن «تغيير فى أسس الاقتصاد المصرى»، تم إجراؤه نتيجة «التركة الهائلة» التى ورثتها الحكومة الحالية من العقود الماضية، وبالتالى فإن انعكاس تلك التغييرات -وفقاً لآراء المؤسسات الدولية- لا يمكن أن يحدث بين يوم وليلة، كما أنه لا يوجد حد زمنى يمكن التنبؤ به بشأن «جنى ثمار» تلك الإصلاحات.
الآراء الصادرة من المؤسسات الدولية الموجودة فى واشنطن ترى أن هناك حالة -يمكن تفهمها- من «عدم الصبر» و«كثير من المقاومة» لدى قطاع عريض من المواطنين، لكن هذه الآراء تشير فى المقابل إلى أهمية إتمام «برنامج الإصلاح» حتى نهايته، وتحذر من «انتكاسة وردَّة» مستقبلية تحت وطأة عدم الصبر.
ويعتقد من التقيناهم داخل المؤسسات الاقتصادية أن هناك تحديات تواجه مصر فى الوقت الحالى من الناحية الاقتصادية، الأول يتمثل فى -وفقاً للمؤسسات- الزيادة السكانية، والثانى يتمثل فى خلق الوظائف، ويرون أن التحدى الثانى يعد جزءاً من عملية الإصلاح الاجتماعى التى تعد مكوناً رئيساً من مكونات الإصلاح الاقتصادى، كما تجمع آراء المؤسسات على أن خلق الوظائف لن يأتى إلا عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالطبع عبر تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمى.
وترى تلك المؤسسات أن الاقتصاد المصرى يحتاج خلال الفترة المقبلة لعدة عناصر كى تكتمل «منظومة الإصلاح» أهمها الحوكمة والشفافية فى إدارة الأصول المملوكة للدولة باعتبارهما شرطين أساسيين لمكافحة الفساد وتعزيز كفاءة إدارة الموارد الحكومية.
اتفاقية التجارة الحرة.. فرص كامنة وراء «حمائية» ترامب
مع اليوم الأول لبعثة «طرق الأبواب» كان قرار «ترامب» بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكا من الصلب القرار الأحدث فى سلسلة قرارات الرئيس «الحمائية» التى ترفع شعار «أمريكا أولاً». اللافت أنه على الرغم من توجهات الإدارة الأمريكية الحالية فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، ورغم أن حرباً تجارية تلوح بوادرها فى الأفق، إلا أن أبرز الملفات التى تم طرحها من خلال وفد البعثة المصرية كان إقامة اتفاقية تجارة حرة بين مصر وأمريكا، وهو المطلب الذى يتم طرحه للمرة الثانية على مدار العامين الماضيين. التقارب الواضح بين القاهرة وواشنطن منذ فوز الرئيس الأمريكى الحالى وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى العام الماضى للعاصمة الأمريكية، كان دافعاً لمجتمع الأعمال فى مصر وفى المقدمة منه غرفة التجارة الأمريكية للإصرار على طرح التفاوض بشأن اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين.
الآراء داخل غرفة التجارة الأمريكية تعتقد أن مثل هذه الاتفاقية قد تمثل «دفعة» للعلاقات التجارية والاستثمارية بين القاهرة وواشنطن، بينما يراها البعض الآخر خطوة سلبية قد تنعكس سلباً على الصناعة المحلية والاقتصاد المصرى، نتيجة عدم تكافؤ الاقتصادين المصرى والأمريكى. وحسبما قال عمر مهنا، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، فإن الإدارة الأمريكية تفاضل حالياً بين عدة دول فى أفريقيا منها مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، لإبرام اتفاق ثنائى للتجارة الحرة، وهو ما يأتى فى إطار سعى الإدارة الأمريكية لتقليص والخروج من اتفاقيات التجارة الحرة مع التجمعات التجارية الكبرى مثل اتفاقية الشراكة عبر الأطلسى التى كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لخلق أكبر منطقة للتجارة الحرة، وتنصل منها الرئيس الأمريكى. وفى حال وجود مثل هذه الاتفاقية فإن الأمر سيعنى تصدير جميع المنتجات والسلع المصرية إلى السوق الأمريكية دون أية رسوم جمركية، وهى نفس المعاملة التى ستنطبق على واردات مصر من الولايات المتحدة.
«مهنا»: الإدارة الأمريكية تفاضل بين دول أفريقية منها مصر لإبرام الاتفاق
المعطيات الحالية تشير إلى أن الميزان التجارى يميل بشدة لصالح الجانب الأمريكى، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والولايات المتحدة -وفقاً لبيانات وزارة التجارة- العام الماضى، 5 مليارات و618 مليون دولار، محققاً زيادة قدرها 13% عن عام 2016 حيث بلغ 4 مليارات و974 مليون دولار. وتتمثل أهم الصادرات المصرية للولايات المتحدة فى الملابس الجاهزة والمنسوجات والأسمدة والحديد والصلب والورق والخضر والفاكهة، بينما تتضمن أهم بنود الواردات المصرية فى الطائرات المدنية وأجزائها والفول الصويا والفحم الحجرى. وبحسب بيانات وزارة التجارة فإن الاستثمارات الأمريكية فى مصر تبلغ حالياً 2.4 مليار دولار فى 1222 مشروعاً تعمل فى قطاعات الصناعة والخدمات والإنشاءات والتمويل والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتعد الاستثمارات الأمريكية فى مصر تمثل نحو 35.4% من الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى القارة الأفريقية و46.2% من الاستثمارات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.
ويرى المؤيدون للاتفاقية أن إبرامها أصبح ضرورة فى ظل التقارب المصرى الأمريكى، وفى ظل الحديث عن أهمية السوق الأمريكية وحجمها بما يسهم فى إنعاش الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة. فى المقابل يرى عدد من المنتجين والمُصدرين العكس تماماً، ويعتقدون أن مصر غير مؤهلة لإبرام هذه الاتفاقية، ويدللون على ذلك باتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة «كويز» التى لم تستفد منها الصادرات المصرية ولا الصناعة بالقدر الذى كان متوقعاً، حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات إلى السوق الأمريكية من بند الملابس فى إطارها المليار دولار، وهو رقم ضئيل.
الإخوان وحقوق الإنسان.. ملفات تلاشت بفعل تغير الأولويات
إحدى أبرز الملاحظات والمشاهدات فى واشنطن على المستوى السياسى، تمثلت فى غياب «شبه تام» لصوت جماعة الإخوان، وخفوت حدة الانتقادات الموجهة من مراكز الفكر أو «Think Tanks» الأمريكية تجاه مصر فى ملف حقوق الإنسان، وهو الملف الذى ظل لأعوام عدة مثار جدل داخل تلك المراكز لفترة ليست بالقليلة.
الأكيد أن أولويات إدارة ترامب منذ يومها الأول تختلف كل الاختلاف عن إدارة سابقه، فالإدارة الجديدة منذ البداية تتخذ موقفاً معادياً من تيار «الإسلام السياسى»، وعزز من هذا الموقف مؤخراً التغير الكبير المتمثل فى الإطاحة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو المعروف بتوجهاته الحادة ضد الإخوان، وزيراً جديداً للخارجية الأمريكية، وربما كان أكبر دليل على تلك التوجهات أن «بومبيو» -الذى شغل منصب مدير الاستخبارات الأمريكية قبل تعيينه- عندما كان عضواً بالكونجرس قبل ذلك تقدم بمشروع قانون يقضى باعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية.
ووفقاً لما قاله أليكس شلبى، الرئيس الشرفى لمعهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط فإن «علاقة الإخوان المسلمين مع الخارجية الأمريكية، انتهت ولا رجعة فيها». ويرى عمرو قطب، مدير معهد التحرير، أن العلاقات المصرية الأمريكية تبدو أكثر إيجابية فى الوقت الحالى مقارنة بمثيلاتها فى عهد الرئيس أوباما، وهو ما يتم ملاحظته من تراجع حدة الانتقادات لمصر من قبل إدارة ترامب، فضلاً عن استمرار تخصيص 1.3 مليار دولار كمعونة عسكرية لمصر، فى الوقت الذى تتجه الإدارة لقطع العديد من المعونات الخارجية.
أليكس شلبى: الجماعة ذهبت إلى غير رجعة بعد تعيين «بومبيو» و«قطب»: لا مساس بالمعونة الأمريكية
ولكن فى المقابل يعتقد «قطب» أن تخفيض المعونة الاقتصادية، ووجود بعض التحفظات على قانون المجتمع المدنى، من بين الأمور التى تعكس «عدم ثبات موقف إدارة ترامب»، وبالتالى صعوبة التنبؤ بمستقبل طبيعة العلاقة بين البلدين، مضيفاً: أعتقد أن السبب الرئيسى وراء هذا التذبذب النسبى فى موقف إدارة ترامب تجاه مصر قد يكون فقط ملف كوريا الشمالية، خاصة أن تلك الإدارة ليس من أولوياتها قضية حقوق الإنسان.
ولا يتوقع «قطب» خفض قيمة المعونة العسكرية لمصر فى الموازنة الأمريكية الجديدة لعام 2019، وثباتها عند نفس رقم العام الماضى وهو 1.3 مليار دولار، ونفس الشىء بالنسبة للمعونة الاقتصادية.
وترى أليسون ماكمانوس، مديرة البحوث فى معهد التحرير أن «العلاقة العسكرية بين مصر والولايات المتحدة دائماً هى الأقوى»، مؤكدة فى الوقت ذاته أن هناك ترحيباً واسعاً من جانب الإدارة الأمريكية بمجهودات مصر فى مواجهة الإرهاب.
وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية، ترى «ماكمانوس» أن مجتمع الأعمال الأمريكى يقدر الإصلاحات التشريعية والاقتصادية التى قامت بها الإدارة المصرية، مثل تعويم الجنيه وصدور قانون الاستثمار الموحد، وقانون الإفلاس، وهى أمور من شأنها تسهيل مناخ الأعمال، مضيفة: «الإصلاحات لها أثر إيجابى على مسار العلاقات الثنائية لما لمجتمع الأعمال من تأثير على صانعى القرار فى أمريكا.